هذه العقيدة متصلة بحقيقة الكون الكبرى ، متناسقة مع الناموس الكلي الذي يقوم عليه هذا الوجود .
فهي مستقيمة معه لا تنفرج عنه و لا تنفصل . و هي مؤدية بصاحبها إلى خالق هذا الوجود ، على استقامة تؤمن معها الرحلة في ذلك الطريق . |
إن العقيدة الإسلامية لا تطيق لها في القلب شريكا ، و لا تقبل شعارا غير شعارها المفرد الصريح ..
إنها لا تقبل راسبا من رواسب الجاهلية في أي صورة من صور جل أم صغر . |
فهي ميسرة لا عسر فيها .
و هي توحي للقلب الذي يتذوقها بالسهولة و اليسر و في أخذ الحياة كلها ، و تطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها و لا تعقيد . سماحة تؤدي معها كل التكاليف و كل الفرائض و كل نشاط الحياة الجادة و كأنما هي مسيل الماء الجاري ، ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة و ثقة و رضاء . مع الشعور الدائم برحمة الله و إرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين . |
إن العقيدة الإيمانية هي وحدها التي ترفع النفوس ..
و ترفع الاهتمامات .. و ترفع الحياة الإنسانية عن نزوة البهيمة ، و طمع التاجر ، و تفاهة الفارغ . |
فالعقيدة هي القضية القائمة بين المسلم و كل أعدائه ..
و هم يعادونه لعقيدته و دينه قبل أي شيء آخر ، و هم يعادونه هذا العداء الذي لا يهدأ لأنهم فاسقون عن دين الله .. و من ثم يكرهون كل من يستقيم على دين الله . فالذين يحملون راية هذه العقيدة لا يكونون مؤمنين بها أصلا ما لم تتم في نفوسهم المفاصلة الكاملة بينهم و بين سائر المعسكرات التي لا ترفع رايتهم .. و ما لم يتمحض ولاؤهم لله و رسوله – صلى الله عليه و سلم – و لقيادتهم الخاصة المؤمنة به . |
إن العقيدة الدينية فكرة كلية تربط الإنسان بقوى الكون الظاهرة و الخفية ..
و تثبت روحه بالثقة و الطمأنينة .. و تمنحه القدرة على مواجهة القوى الزائلة و الأوضاع الباطلة ، بقوة اليقين في النصر ، و قوة الثقة في الله . و هي تفسر للفرد علاقاته بما حوله من الناس و الأحداث و الأشياء .. و توضح له غايته و اتجاهه و طريقه .. و تجمع طاقاته و قواه كلها ، و تدفعها في اتجاه . و من هنا كذلك قوتها . قوة تجميع القوى و الطاقات حول محور واحد ، و توجيهها في اتجاه واحد ، تمضي إليه مستنيرة الهدف ، قي قوة ، و في ثقة ، و في يقين . |
إن العقيدة الإسلامية يجب أن تتمثل في نفوس حية ، و في تنظيم واقعي ، و في حركة تتفاعل مع الجاهلية من حولها ، كما تتفاعل مع الجاهلية الراسبة في نفوس أصحابها بوصفهم كانوا من أهل الجاهلية قبل أن تدخل العقيدة إلى نفوسهم و تنتزعها من الوسط الجاهلي .
|
العقيدة هي هتاف الفطرة ، و قوام هذه الحياة و دليل الطريق إلى الآخرة ، و إلى الله .
فهي مستغنية بذاتها عن كل زخرف .. من أرادها لذاتها فهو بها حقيق ، و هي عنده قيمة أكبر من كل قيمة . و من أرادها سلعة في سوق المنافع ، فهو لا يدريك طبيعتها ، و لا يعرف قيمتها ، و هي لا تمنحه زادا و لا غناء . لذلك كله يؤمر رسول الله – صلى الله عليه و سلم – أن يقدمها للناس هكذا ، عاطلة من كل زخرف ، لأنها غنية عن كل زخرف و ليعرف من يفيئون إلى ظلها أنهم لا يفيئون إلى خزائن مال ، و لا إلى وجاهة دنيا ، و لا إلى تميز على الناس بغير تقوى . إنما يفيئون إلى هداية الله و هي أكرم و أغنى . |
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا ، فإما تجرد لها ، و إما انسلاخ منها ..
و ليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل و العشيرة و الزوج و الولد و المال و العمل و المتاع و اللذة ، و لا أن يترهبن و يزهد في طيبات الحياة .. كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب ، و أن تكون هي المسيطرة و الحاكمة ، و هي المحركة و الدافعة . فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة . بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب ، باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها ليتمتع بها عباده ، و هم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب . |
العقيدة الدينية هي أعمق و أشمل ما يعمر النفوس ، و يؤثر فيها و يكيف مشاعرها ، و يحدد تأثراتها و استجاباتها ، و يعين طريقها في الحياة كلها .
و إن كان الكثيرون يخدعهم أحيانا كمون العقيدة أو ركودها فيتوهمون أنها شعور عارض يمكن الاستغناء عنه ببعض الفلسفات الفكرية ، أو بعض المذاهب الاجتماعية . و هذا وهم و قلة خبرة بحقيقة النفس الإنسانية ، و مقوماتها الحقيقية ، و تجاهل لواقع هذه النفس و طبيعتها . |
الساعة الآن 03:11 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.