======== 88 ========
إن القرآن لم يقض ثلاثة عشر عاماً كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الأولى .. كلا !
فلو أراد الله لأنزل هذا القرآن جملة واحدة ، ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشر عاماً أو أكثر أو أقل ، حتى يستوعبوا " النظرية الإسلامية ".
و لكن الله – سبحانه – كان يريد أمراً آخر .
كان يريد منهجاً معيناً متفرداً .
كان يريد بناء الجماعة و بناء الحركة و بناء العقيدة في وقت واحد .
كان يريد أن يبني الجماعة و الحركة بالعقيدة ، و أن يبني العقيدة بالجماعة و الحركة ..
كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الفعلي ، و أن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو صورة العقيدة .
و كان الله - سبحانه – يعلم أن بناء النفوس و الجماعات لا يتم بين يوم و ليلة ..
فلم يكن بد أن يستغرق بناء العقيدة المدى الذي يستغرقه بناء النفوس و الجماعة حتى إذا نضج التكوين العقيدي كانت الجماعة هي المظهر الواقعي لهذا النضوج .
======== 89 ========
الحياة في جو القرآن لا تعني مدارسة القرآن ، و قراءته و الاطلاع على علومه ..
إن هذا ليس " جو القرآن " .
الحياة في جو القرآن :
هو أن يعيش الإنسان في جو ، و في ظروف ، و في حركة ، وفي معاناة ، و في صراع ، و في اهتمامات .. كالتي كان يتنزل فيها هذا القرآن ..
أن يعيش الإنسان في مواجهة هذه الجاهلية التي تعم وجه الأرض اليوم ..
و في قلبه ، و في همه ، و في حركته ، أن " ينشئ " الإسلام في نفسه و في نفوس الناس ، و في حياته و في حياة الناس ، مرة أخرى في مواجهة هذه الجاهلية .
بكل تصوراتها ، و كل اهتماماتها و كل تقاليدها ، و كل واقعها العملي ، و كل ضغطها كذلك عليه ، و حربها له ، و مناهضتها لعقيدته الربانية ، و منهجه الرباني ..
هذا هو الجو القرآني الذي يمكن أن يعيش فيه الإنسان ..
فيتذوق هذا القرآن .
فهو في مثل هذا الجو نزل ، و في مثل هذا الخضم عمل ..
و الذين لا يعيشون في مثل هذا الجو معزولون عن هذا القرآن مهما استغرقوا في مدارسته و قراءته و الاطلاع على علومه .
و على الجميع أن يحاولوا أن يعيشوا في " جو القرآن " حقاً بالعمل و الحركة .
و عندئذ فقط سيتذوقون هذا القرآن ، و يتمتعون بهذه النعمة التي ينعم الله بها على من يشاء .
|