عرض مشاركة واحدة
قديم 01-19-2018, 03:50 AM   #87
زارع الورد


الصورة الرمزية زارع الورد
زارع الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 162
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 02-21-2024 (05:23 AM)
 المشاركات : 3,124 [ + ]
 التقييم :  96
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



رحلة فرسانية

لم أتردد لحظة واحدة للموافقة حين عرض عليّ أحد الزمـــــلاء
- في ليلة سابقة - فكرة مشاركته مع بعض الأصدقاء والزمــلاء
القيام برحلة إلى فرسان يوم الخميس ..

وما بين إعداد الخطة وتوزيع الأدوار وتجهيز الأمتعة ، ثم التجمع
في الميناء بعد الظهيرة فركوب العبارة - ما بين هذا وذاك وجدنا
أنفسنا في لقاء ممتع وجمعة مسلية تخللتها بعض المقالب الخفيفة
الممزوجة بالتعليقات والنكات الظريفة التي التقطناها بعدسات الجوالات ،
وعلى هذا الحال مضى بنا الوقت سريعاً على عزف أمواج البحر ، لنصل
إلى الطرف الآخر وقت صلاة العصر ..


عبرنا البحر في أربع سيارات ، هدفنا الأول صيد السمك في عرض البحر ،
وقضاء أمسية بعد ذلك على جزيرة منعزلة .. وبعد توقف للصلاة وآخر لتناول
الغداء المتأخر انطلقنا نحو الهدف المنشود ، فالكل متشوق لممارسة الصيد ،
وخوض تلك المغامرة الصغيرة .. عددنا الثلاثة عشر احتاج لفالوكتين ..
ركبناها قبل الغروب ، إذ الشمس تمد يداً مصافحة الأفق ، فخوت بنا الفالوكتان
مسرعتين تشق أمواج البحر تكاد – من سرعتها – يقتلعنا الهواء من فوق المقاعد ،
لقد خطف قبعتي السوداء وطارت تحلق في السماء كالغراب ههههه .

ورغم الهواء البارد القوي الذي يصفع وجوهنا ويعبث بملابسنا لم يزدنا ذلك
إلا نشوة ومتعة ..

مضى قرابة نصف ساعة .. وإذا بالفالوكتين تتوقفان ، وبدأ كحل المساء يغطي
جفون البحر من كل الجهات ، وأوائل الظلام أخذ يخيم علينا ، وما بين بحر
يترجرج من تحتنا وسماء صافية مرصعة بالنجوم من فوقنا بدأنا برمي سنارات
الصيد على ضوء خافت في المركبين وكلٌ وحظه وخبرته ، وبعد ثلاث ساعات
تقريباً تسرب الملل للأكثرية الذين طالبوا بالتوجه للجزيرة حيث نكمل السهرة .


انطلقنا إلى تلك الجزيرة ، إحدى جزر فرسان بعيدة عن العمران ، جزيرة هادئة
مظلمة شواطئها رملية بيضاء والموج الساكن يلامسها - من حين لآخر- برقة وحنان.
كان كل شيء حولنا يدفع إلى التأمل ويثير المشاعر . فالموج الهادئ والرمل الناعم
الرطب وما بعده من تلال صخرية تضفي على المكان منظراً ساحراً في رهبة
طبيعية خلابة . والظلام الدامس ساعد على رؤية الأشياء من حولنا بصورة حالمة
خيالية مثيرة ، والسماء كأنها بساط أزرق نُثر عليه ملايين من حبات اللؤلؤ ،
فالنجوم بأحجامها المختلفة وتشكيلاتها الكونية المتعددة ظهرت بوضوح تام ، وكأن
هذه السماء ليست السماء التي نعرفها في المدن العامرة بالضوضاء والضياء والأنوار
الساطعة التي تخفي ملامح ذلك الجمال الكوني الساحر.


إنها الليلة الثامنة عشرة ، حيث يظهر القمر متأخراً ناقصاً بعضاً من حجمه
وضوئه ، وقد أطل علينا ناعس الطرف بضوءٍ خافت في البداية ، ثم أكثر إشراقاً
بعد أن علا درجات في السماء ليضفي على الأمكنة من حولنا مسحة جمالية أخرى
وأكثر شاعرية .


تناولنا العشاء على ضوء القمر وكشافات الجوالات ، ثم أكملنا السمر وشرب
الشاي ما تبقى من الوقت ...


بعد منتصف الليل ، بلغ منا التعب والإرهاق مبلغه .. فعدنا كما جئنا لا فرق غير
أن الهواء صار أبرد من ذي قبل ، وفي فرسان ( المدينة ) كنتُ وبعض الزملاء
نظن أنه قد تم استئجار السكن مسبقاً ، وكانت المفاجأة أننا لم نستأجر بعد .
المدينة صغيرة ، والفنادق وشقق الإجار محدودة جداً ، والوقت متأخر ، كانت كلها
مستأجرة ، لم يكن أمامنا إلا الأرصفة والمساحات الرملية قرب البحر .


كنتُ منزعاً مع اثنين من المجموعة ، أما الأغلبية فلم يروا بأساً في الأمر ،
وقالوا ذلك أمتع ...ويا للعجب فالبعض استلقوا على الرصيف وناموا بالفعل ،
والبعض الآخر أكملوا السهرة بالتعليقات الظريفة والطقطقة علينا – نحن المنزعجين
من هذا الوضع – أطلقوا علينا ( المرفهين ) .. افترشتُ الرمل هرباً من خشونة
الرصيف ، وغفوتُ قليلاً ، ... وأذن للفجر ..وبعد الصلاة .. توجهنا إلى أحد الشواطئ
- وفرسان كلهاشواطئ - ..

هناك ومع شروق الشمس الساحر افترشنا مرتفعا صغيراً عن البحر ،
وتم إعداد القهوة والشاي و الفطور على الجمر ...ورغم السهر والتعب في الليلة
الماضية ، شعرنا بمتعة تلك الجلسة الصباحية ، وكأن الأنس وتلك الجمعة الطيبة
والوناسة قد محت كل المتاعب السابقة ..


أسفل المرتفع الذي كانت عليه الجلسة مساحة كافية من الرمل الذي انحسر
عنه البحر ، إنه باقٍ على طبيعته ونظافته ، وحواف البحر القريبة صافية نقية تغري
بالسباحة فيها .. وأمواج البحر بحركة المد قد تركت كهوفاً في أطراف المرتفع
وجنباته ، ونحتت أشكالاً جميلة تستوقف المتأمل وتشعره بالمتعة .


وقتا ممتعاً قضيناه بين لعب كورة القدم والسباحة في البحر ... وبعد العاشرة
صباحاً عدنا لداخل المدينة ، وحضرنا مبكرين صلاة الجمعة .. وبعد الصلاة ..
وبين زخات المطر الهادئ توجهنا نحو الميناء استعدادًا لركوب العبارة والعودة..
عدنا ... وماذا بعد ؟!..


قرابة الثلاثين ساعة قضينها منذ خرجنا من بيوتنا حتى عدنا إليها .
لقد احتجت للتوقف عن هذا كله ، واشتقتُ لسرير النوم ، أذكر أنني
تصفحتُ جوالي فرأيتُ تفاصيل الرحلة كلها ، ثم سبحتُ في نوم عميق .
مجرد لحظات عشنها .. هذي كل الحكاية ..




زارع الورد ..









 
 توقيع : زارع الورد


رد مع اقتباس