عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-2013, 12:14 AM   #1
زارع الورد


الصورة الرمزية زارع الورد
زارع الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 162
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 02-21-2024 (05:23 AM)
 المشاركات : 3,124 [ + ]
 التقييم :  96
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الرحيل ولحظات العمر .........



قد لا يشعــــــر الإنسان أنه يرتحل يوماً بعد يوم،وأنه فـي كل يوم يودع بعضه ، بل وينقله بنفسه إلى محطة المغـــــــادرة ليسافر ذلك البعض منا ومن لاحظات أعمارنا دون اكتــــراث أو حتى دمعة وداع . لأنه في تلك اللحظات لا يشعـــــر بذلك الفقــد ، ويشعــر أن تلك اللحظات لا يفقدها بمجرد مغادرتها محطتها الزمنية المقدرة لها ، وإنما هي تقطع المسافــــة ثم تعود مجدداً لقطعها مرة أخرى ، بل مرات ومرات .

إن متعة الإنسان بلحظاته السعيدة تمثل بالنسبة له أوقــــات مستهلكة وقت التمتع بها ولا يدرك قيمتها إلا حين يفقدهـــــا ويفتقدها ، ويحاول تكرارها ، أو يأتي ببدائل آخرى تحــــــل محلها فيجد صعوبة في ذلك، أو يجد أنه قد فات المعاد .

كثيرة هي تلك اللحظات السعيدة التي نمر بها ، في طفـولتنا ، وفي شبابنا ، بل وبعد هذه المراحل لحظات أخرى سنعيشهـــا - إذا شاء الله - كما عاشها من هم أكبر منا . فلكل لحظـــــة دفء خاص ونغم حاني ومذاق مختلف، ولكنهــــا لحظــــات بمجرد إنقضاء وقتها تكون قد غادرت ورحلت وسافـــــــرت سفراً ولن تعود .

لطالما حنت روحـــــي وهفى الفـــــؤاد لمراتع تلك الذكـرايات السابقة.. نعم ذكرايات ، هكذا هي اليوم وغداً ، مجــــــــــرد ذكرايات ...لم يبق من أنفاسها وعطرها إلا تلك الصـــــــور الجامدة والمتحركة ، لكنها مجرد صور محنطة تحمـــــــــــل رفات ماضينا الجميل ..

قد يقول قائل : إن تلك اللحظــــــات والأوقـــــات السعيـــــدة بمناسباتها تتكرر ولا نفقدها كما تزعم .. فأقول : قد تتكــرر المناسبات السعيدة في حياتنا كثيـــــراً ، لكنها لن تكـــــــون
كبعضها . فحين تكون في مرحلة الطفولة ببرائتها وعفويتها ستعيش تلك اللحظات بروح الطفــــــــولة ، وحين تكون في مـــرحــــلة الشبــــاب بتطلعاتـــــه وطمــــوحه وعنفـــــوانه وتهوره وأحلامه ومغامراته واندفاعه ، ستعيش تلك اللحظـات بروح الشباب وإحساســـــه ومذاقـــه ، وكذلك مرحلة الكبر
سيكون لها مذاق آخر .. ولا يمكن أن تكون كلهـــــــا بنفس المستوى والطعم واللذة .


هكذا نحن نسير ونتنقل رويداً رويداً وفي كل لحظة نعيشهــا ثم نغادرزمانهــــــــا ومكانها إلى لحظة أخرى بزمان ومكان آخرين ، فإننا بذلك نودع جزءاً من العمــــــــر .. فكل شـيء يرحل ولا يعود .

أتعجب كثيـــــراً حين أشاهد بالصدفة فلما سينمائياً قديمـــــاً وتجذبني فتاة - في أحداث ذلك الفلم- لجمالها وشياكتهـــــــا وهي تمثل دوراً فيه من الإثارة ما يسلب العقـــــل ويحــــرك
مشاعر العشق والوله ،ثم أتذكر أنني قد شاهدتها في فلـــــم حديث وقد فقدت كل ذلك الجمــــال وبكل تفاصيلـــــه ، وهي مازالت تؤدي دورها ملتزمةً بلحظتها الزمانية والمكانيــــــة الحاضرتين مستسلمة لواقعها - أتساءل ما هو شعـــــــورها الآن ، وكيف تعيش لاحظاتها السعيدة القادمة وهي في هذا العمر ، وقد رحـــل عنهـــــا جمالها وبريق شبابها؟؟ . قد لا تهمني الإجابة على تساؤلٍ كهــــذا في الوقت الراهـــن ، فقد أعرفـه بنفسي في يوم ما ، وقد لا يكون بذات أهمية.


لكن شيئاً واحداً نتفق عليه جميعاً ، هو أننا في كل لحظـــــة سعيدة نحياها نودع بعضاً منا دون أن نشعربذلك .


وفي طريق عبورنا إلى النهاية ، وبمرورصيف العمـر نذوب في حره كما يذوب الجليد ، وتتساقط أوراق ربيع العمــر في خريفه ، حيث تغرب الشمس ويختفي الظل ويسود الظــــلام حين تلتصق الأجفان على العيون .

لقد مضى على الأجيال التي سبقتنا لحظــــات مماثلة ومثلت لهم فصولاً شتوية وربيعية ، ثم صيفية فخريفية. وتلاشـــوا فلم يبق منهم سوى آثارهم ، أو بعض آثارهم .وكأني أنظر بعيني الزمن إليهم ، وأصغي بأذنيه إلى ضحكاتهم فأرى من البهاء والحسن ، والعشق والطرب ، والرقص والمرح . وأقرأ عنهم وعن قصصهم ، ما يجعلني أحدق بعيني زمنــي الحاضر إلى لحظاتي القادمة في يومي وغدي بكل شــــــوق وحنين . أرجو أن أقضيها في طاعة الله وفيما أباحــــه لي ، لأخرج من دنياي الفانية إلى الدار الباقية ، حيث لا سعــــادة ترحل ولا شباب يبلى .




أبــو أســـــــــــــامــــــــــــــة



زارع الورد








تحياتي للجميع ...


 
 توقيع : زارع الورد


رد مع اقتباس