القرآن : كتاب الله المقروء
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم
المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين .
===================================
======== ستظل هنالك فجوة عميقة بيننا و بين القرآن ما لم نتمثل في حسنا ، و نستحضر في تصورنا أن هذا القرآن خوطبت به أمة حية ، ذات وجود حقيقي ..
و وجهت به أحداث واقعية في حياة هذه الأمة ..
و وجهت به حياة إنسانية حقيقية في هذه الأرض ..
و أديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشرية و في رقعة من الأرض كذلك . معركة تموج بالتطورات و الانفعالات و الاستجابات .
======== و سيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا و بين القرآن ، طالما نحن نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهوّمة ، لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية التي تواجه هذا الخلق المسمى بالإنسان ، و التي تواجه هذه الأمة المسماة بالمسلمين .
بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوسا و وقائع و أحداثا حية ، ذات كينونة واقعية حية .
======== و معجزة القرآن البارزة تكمن في أنه نزل لمواجهة واقع معين في حياة أمة معينة ، في فترة من فترات التاريخ محددة ، و خاض بهذه الأمة معركة كبرى حولت تاريخها و تاريخ البشرية كله معها ..
و لكنه – مع هذا – يعايش و يواجه و يملك أن يوجه الحياة الحاضرة ، و كأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهة الجماعة المسلمة في شؤونها الجارية ، و في صراعها الراهن مع الجاهلية من حولها ..
و في معركتها كذلك في داخل النفس ، و في عالم الضمير بنفس الحيوية ، و نفس الواقعية التي كانت له هناك يومذاك .
======== و لكي نحصل نحن من القرآن على قوته الفاعلة و ندرك حقيقة ما فيه من الحيوية الكامنة ، و نتلقى منه التوجيه المدخر للجماعة المسلمة في كل جيل ..
ينبغي أن نستحضر في تصورنا كينونة الجماعة المسامة الأولى التي خطبت بهذا القرآن أول مرة ..
كينونتها و هي تتحرك في واقع الحياة ، و تتعامل مع أعدائها و أصدقائها ، و تتصارع مع شهواتها و أهوائها .
======== أجل .. يجب أن نعيش مع تلك الجماعة الأولى ، و نتمثلها في بشريتها الحقيقية ، و في حياتها الواقعية ..
و نتأمل قيادة القرآن لها قيادة مباشرة في شؤونها اليومية و في أهدافها الكلية على السواء ..
و نرى كيف يأخذ القرآن بيدها خطوة خطوة ، و هي تعثر و تنهض ، و تحيد و تستقيم ، و تضعف و تقاوم ، و تتألم و تحتمل .
و ترقى الدرج الصاعد في بطء و مشقة ، و في صبر و مجاهدة تتجلى فيها كل خصائص الإنسان ، و كل ضعف الإنسان ، و كل طاقات الإنسان .
======== و من ثم نشعر أننا نحن أيضا مخاطبون بهذا القرآن في مثل ما خطبت به الجماعة الأولى .
و أن بشريتنا التي نراها و نعرفها و نحسها بكل خصائصها تملك الاستجابة للقرآن ، و الانتفاع بقيادته في ذات الطريق .
و سنحس أنه معنا اليوم و غدا ، و أنه ليس مجرد تراتيل تعبدية مهوّمة بعيدة عن واقعنا المحدد ، كما أنه ليس تاريخا مضى و انقضى و بطلت فاعليته و تفاعله مع الحياة البشرية .
إن القرآن حقيقة ذات كينونة مستمرة كهذا الكون ذاته .
الكون كتاب الله المنظور .
و القرآن كتاب الله المقروء .
و كلاهما شهادة و دليل على صاحبه المبدع .
|