تولَّى الصِّبا عَنِّى ، فكيفَ أعيدهُ
وقَدْ سارَ فى وادى الفَناءِ بريدهُ ؟
أُحاولُ منهُ رجعة ً بعدَ ما مضى
وذَلِكَ رَأْيٌ غَابَ عَنِّي سَدِيدُهُ
فَمَا كُلُّ جَفْرٍ غاضَ يَرْتَدُّ نَبْعُهُ
ولا كلُّ ساقٍ جفَّ يخضَرُّ عودهُ
فإن أكُ فارقتُ الشَّبابَ فقبلهُ
بكيتُ رضاعاً بانَ عنِّى حميدهُ
وأى ُّ شبابٍ لا يزولُ نعيمهُ ؟
وسِربالِ عيشٍ ليسَ يبلى جديدهُ ؟
فلا غروَ إن شابت منَ الحزنِ لِمَّتى
فإنِّى فى دهرٍ يشيبُ وليدهُ
يهدِّمُ من أجسادنا ما يشيدهُ
وَيَنْقُصُ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَا يَزِيدُهُ
أَرَى كُلَّ شَيْءٍ لا يَدُومُ، فَمَا الَّذِي
ينالُ امرؤٌ من حبِّ ما لا يفيدهُ ؟
وَلَكِنَّ نَفْساً رُبَّمَا اهْتَاجَ شَوْقُهَا
فَحَنَّتْ، وقَلْباً رُبَّمَا اعْتَادَ عِيدُهُ
فَوَا حَسْرَتَا! كَمْ زَفْرَة ٍ إِثْرَ لَوْعَة ٍ
إِذَا عَصَفَتْ بِالقَلْبِ كادَتْ تُبِيدُهُ
محمود البارودي
|