======== 114 ========
و تدبر القرآن يزيل الغشاوة ، و يفتح النوافذ ، و يسكب النور ، و يحرك المشاعر ، و يستجيش القلوب ، و يخلص الضمير .
و ينشئ حياة للروح تنبض بها و تشرق و تستنير .
" أم على قلوب أقفالها ؟ "
فهي تحول بينها و بين القرآن و بينها و بين النور .
فإن استغلاق قلوبهم كاستغلاق الأقفال التي لا تسمح بالهواء و النور
و من النصوص و التوجيهات القرآنية يتجلى كيف كانت نفوس المسلمين الصادقين تتلقى آيات هذا القرآن ؟
كيف تهتز لها و تضطرب ، و كيف ترتجف منها و تخاف ، و أن كيف تحذر أن تقع تحت طائلتها ، و كيف تتحرى أن تكون وفقها و أن تطابق أنفسها عليها ..
و بهذه الحساسية في تلقي كلمات الله كان المسلمون مسلمين من ذلك الطراز .
======== 115 ========
و الذي يقرأ هذا القرآن – و هو مستحضر في ذهنه لأحداث السيرة – يشعر بالقوة الغالبة و السلطان البالغ الذي كان هذا القرآن يواجه به النفوس في مكة و يروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة .
و يرى أنه كان يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعاً عجيباً ..
__ تارة يواجهها بما يشبه الطوفان الغامر من الدلائل الموحية و المؤثرات الجارفة .
__ و تارة بما يشبه الهراسة الساحقة التي لا يثبت لها شيء مما هو راسخ في كيانها من التصورات و الرواسب .
__ و تارة بما يشبه السياط اللاذعة تلهب الحس فلا يطيق وقعها و لا يصبر على لذعها .
__ و تارة بما يشبه المناجاة الحبيبة ، و المسارة الودود ، التي تهفو لها المشاعر و تأنس لها القلوب .
__ و تارة بالهول المرعب ، و الصرخة المفزعة التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب .
__ و تارة بالحقيقة في بساطة و نصاعة لا تدع مجالا للتلفت عنها و لا الجدال فيها .
__ و تارة الرجاء الصبوح والأمل الندي الذي يهتف لها و يناجيها .
__ و تارة يتخلل مساربها و دروبها و منحنياتها فيلقي عليها الأضواء التي تكشفها لذاتها فترى ما يجري في داخلها رأي العين ، و تخجل من بعضه ، وتكره بعضه ، و تتيقظ لحركاتها و انفعالاتها التي كانت غافلة عنها ..
و مئات من اللمسات ، و مئات من الهتافات ، و مئات من المؤثرات .. يطلع عليها قارئ القرآن وهو يتبع تلك المعركة الطويلة ، وذلك العلاج البطيء .
و يرى كيف انتصر القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة .
|