![]() |
و هكذا نحن في هذه الحياة الدنيا نتحرك .
تحركنا أشواق و هواتف ، و مطامح و مطامع ، و آلام و آمال .. و إن هي إلا الأسباب الظاهرة للغاية المضمرة ، و الستار التي تراه العيون لليد التي لا تراها الأنظار ، و لا تدركها الأبصار . يد المدبر المهيمن العزيز القهار . |
فمتى اتصل القلب بالله ، و اتجه إليه بالعبادة .
متى ارتبط بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها . متى أيقظ في روحه النفخة العلوية فأشرقت و أنارت .. فلا سلطان حينئذ للشيطان على ذلك القلب الموصول بالله ، و هذا الروح المشرق بنور الإيمان . |
إن الإيمان بالله كسب .
كسب في ذاته . و الأجر عليه بعد ذلك فضل من الله . إنه طمأنينة في القلب و استقامة على الطريق ، و ثبات على الأحداث ، و ثقة بالسند ، و اطمئنان للحمى ، و يقين بالعاقبة . و إن هذا في ذاته لهو الكسب . |
و إن الإنسان لينتفخ و ينتفخ و يحسب نفسه شيئا ..
و يتطاول و يتطاول حتى ليتطاول على خالقه سبحانه . و هو هين هين ، ضعيف ضعيف ، قاصر قاصر . إلا أن يتصل بالله فيستمد منه القوة و الرشاد ، و عندئذ فقط يكون شيئا في ميزان الله . |
و من يدري .
إن الغيب لمحجوب . و إن الستار لمسبل . فما يدري أحد ما وراءه . و قد يكون على قيد خطوات ما يذهل و ما يهول . إنما العاقل من يحذر ، و من يتهيأ و يستعد في كل لحظة لما وراء الستر المسدول . |
ذلك بأن الله هو الحق المبين
كل شيء غيره يتبذل . و كل شيء غيره يتحول . و كل شيء غيره تلحقه النقصان و الزيادة ، و تتعاوره القوة و الضعف ، و الازدهار و الذبول ، و الإقبال و الإدبار . و كل شيء غيره يوجد بعد أن لم يكن ، و يزول بعد أن يكون . و هو وحده – سبحانه – الدائم الباقي الذي لا يتغير و لا يتبدل و لا يحول و لا يزول . |
إن الذي يكتب الله له الهدى و الخير يضع في قلبه الحساسية و الحذر و التلفت و الحساب .
فلا يأمن مكر الله و لا يأمن تقلب القلوب . و لا يأمن الخطأ و الزلل . و لا يأمن النقص و العجز . فهو دائم التفتيش في عمله ، دائم الحساب لنفسه . دائم الحذر من الشيطان . دائم التطلع لعون الله . و هذا هو مفرق الطريق بين الهدى و الضلال و بين الفلاح و البوار . |
و أشد ما يصيب الإنسان أن يفقد إحساسه بقبح فعله و انحرافه و أن يرى كل شيء من شخصه حسنا و من فعله ..
فهذه هي المهلكة و هذا هو المنحدر الذي ينتهي دائما بالبوار . |
و الحياة مع القمر ليلة بعد ليلة تثير في الحس مشاعر و خواطر ندية ثرية موحية عميقة .
و القلب البشري الذي يعيش مع القمر دورة كاملة لا ينجو من تأثرات و استجابات ، و من سبحات مع اليد المبدعة للجمال و الجلال ، المدبرة للأجرام بذلك النظام الدقيق . |
إن الإنسان ليعجل ، و هو لا يدري ما وراء خطوته .
و إن الإنسان ليقترح لنفسه و لغيره ، و هو لا يعرف ما الخير و ما الشر فيما يقترح . " و يدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير و كان الإنسان عجولا ". و لو استسلم لله ، و دخل في السلم كافة ، و رضي اختيار الله له و اطمأن إلى أن اختيار الله أفضل من اختياره ، و أرحم له و أعود عليه بالخير . لاستراح و سكن . |
فلا بد من فترات ينخلع فيها القلب من شواغل المعاش و جواذب الأرض ، ليخلو إلى ربه ..
و يتجرد لذكره .. و يتذوق هذا الطعم الخاص للتجرد و الاتصال بالملأ الأعلى .. و يملأ قلبه و صدره من ذلك الهواء النقي الخالص العطر و يستروح شذاه . |
إن كل شيء – سوى الله – و كل أحد ، متقلب غير ثابت ، ذاهب غير دائم ..
فإذا تعلق به قلب بقي يتأرجح و يتقلب و يتوقع و يتوجس ، و عاد بغير اتجاهه كلما ذهب هذا الذي عقد به رجاءه . و الله وحده هو الباقي الذي لا يزول . الحي الذي لا يموت . الدائم الذي لا يتغير . فمن اتجه إليه اتجه إلى المستقر الثابت الذي لا يزول و لا يحول . |
إن هذه البشرية – و هي من صنع الله – لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله ..
و لا تعالج أمراضها و عللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده – سبحانه - .. و قد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق ، و شفاء كل داء : " و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين " " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " |
اللهم إنا نسألك عفواً يكفينا وعافية تغنينا ومقاماً عالياً في الفردوس يعلينا
ونظرة لوجهك الكريم ترضينا ورحمة ومغفرة لنا ولوالدينا 🌸 |
و الذي يجد راحة اليقين في قلبه يجد في الآيات مصداق يقينه ، و يجد فيها طمأنينة ضميره .
فالآيات لا تنشئ اليقين .. إنما اليقين هو الذي يدرك دلالتها و يطمئن إلى حقيقتها .. و يهيء القلوب للتلقي الواصل الصحيح . |
إن أمام الإنسان طريقين اثنين لا ثالث لهما :
طريق الله .. و طريق الشيطان . أن يستمع إلى وعد الله أو أن يستمع إلى وعد الشيطان . و من لا يسير في طريق الله فهو سائر في طريق الشيطان . ليس هنالك إلا منهج واحد هو الحق ، المنهج الذي شرعه الله .. و ما عداه فهو للشيطان و من الشيطان . |
إن عقدة الفطرة البشرية هي عقدة العقيدة ..
و ما لم تنعقد هذه العقدة أولا فلن يثبت فيها شيء من خلق أو تهذيب أو إصلاح اجتماعي .. إن مفتاح الفطرة البشرية ها هنا . و ما لم تفتح بمفتاحها فستظل سراديبها مغلقة و دروبها ملتوية و كلما كشف منها زقاق انبهمت أزقة ، و كلما ضاء منها جانب أظلمت جوانب ، و كلما فتح منها درب سدت دروب و مسالك .. |
إن الذي يفسق عن الطريق و ينحرف لا يطيق أن يرى المستقيم على النهج الملتزم ..
إن وجوده يشعره دائما بفسقه و انحرافه . إنه يتمثل له شاهدا قائما على فسقه هو و انحرافه .. و من ثم يكرهه و ينقم عليه . يكره استقامته و ينقم منه التزامه ، و يسعى جاهدا لجره إلى طريقه ، أو للقضاء عليه إذا استعصى قياده . |
النفس البشرية حين تستعلن فيها حقيقة الإيمان ، تستعلي على قوة الأرض ، و تستهين ببأس الطغاة ، و تنتصر فيها العقيدة على الحياة ، و تحتقر الفناء الزائل إلى جوار الخلود المقيم .
إنها لا تقف لتسأل : ماذا ستأخذ و ماذا ستدع ؟ ماذا ستقبض و ماذا ستدفع ؟ ماذا ستخسر و ماذا ستكسب ؟ و ماذا ستلفى في الطريق من صعاب و أشواك و تضحيات ؟ .. لأن الأفق المشرق الوضيء أمامها هناك ، فهي تنظر إلى شيء في الطريق . إنه الإيمان الذي يطمئن إلى النهاية فيرضاها ، و يستيقن من الرجعة إلى ربه فيطمئن إلى جواره . |
إن القانون لا تحرسه نصوصه ، و لا يحميه حراسه .
إنما تحرسه القلوب التقية التي تستقر تقوى الله فيها و خشيته . فتحرس هي القانون و تحميه . و ما من قانون تمكن حمايته أن يحتال الناس عليه . ما من قانون تحرسه القوة المادية و الحراسة الظاهرية ، و لن تستطيع الدولة – كائنا ما كان الإرهاب فيها – أن تضع على رأس كل فرد حارسا يلاحقه لتنفيذ القانون و صيانته ، ما لم تكن خشية الله في قلوب الناس ، و مراقبتهم له في السر و العلن . |
و هل أسوأ من الانسلاخ و التعري من الهدى ؟ .
و هل أسوأ من اللصوق بالأرض و اتباع الهوى ؟ و هل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا ؟ من يعريها من الغطاء الواقي و الدرع الحامي .. و يدعها غرضا للشيطان يلزمها و يركبها ، و يهبط بها إلى عالم الحيوان اللاصق بالأرض ، الحائر القلق ، اللاهث لهاث الكلب أبدا . |
إن مس الشيطان عمى ..
و إن تذكر الله إبصار .. إن مس الشيطان ظلمة .. و إن الاتجاه إلى الله نور .. إن مس الشيطان تجلوه التقوى ، فما للشيطان على المتقين من سلطان . |
إن العبادة تعبير عن العقيدة .
فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة .. و أداء الشعائر و عمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالاعتقاد الإيماني الصحيح ، و بالعمل الواقع الصريح ، و بالتجرد لله في العمل و العادة سواء . |
ما أجمل أن تعطي و أنت تعلم أن المقابل ليس من الناس ..
بل من رب الناس . |
إن الإيمان الجاد المتمثل في العمل الصالح هو الذي يعصم النفس البشرية من اليأس الكافر في الشدة ، كما يعصمها من البطر الفاجر في الرخاء .
و هو الذي يقيم القلب البشري على سواء في البأساء و النعماء و يربطه بالله في حاليه .. فلا يتهاوى و يتهافت تحت مطارق البأساء .. و لا يتنفج و يتعالى عندما تغمره النعماء . و كلا حالي المؤمن خير . و ليس ذلك إلا للمؤمن كما يقول رسول الله – صلى الله عليه و سلم - |
اتباع الهوى هو الذي ينشئ التكذيب بالساعة .
فالفطرة السليمة تؤمن من نفسها بأن الحياة الدنيا لا تبلغ فيها الإنسانية كمالها ، و لا يتم فيها العدل تمامه .. و أنه لا بد من حياة أخرى يتحقق فيها الكمال المقدر للإنسان ، و العدل المطلق في الجزاء على الأعمال . |
و لقد أسرف من أعرض عن ذكر الله .
أسرف فألقى بالهدى من بين يديه و هو أنفس ثراء و ذخر . و أسرف في إنفاق بصره في غير ما خلق له فلم يبصر من آيات الله شيئا . فلا جرم يعيش معيشة ضنكا ، و يحشر يوم القيامة أعمى . |
ألا إنه لا سبيل إلى احتمال البلاء إلا بالرجاء في نصر الله .
و لا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله . و لا سبيل إلى الاستعلاء على الضر ، و الكفاح للخلاص إلا بالاستعانة بالله . |
إن الإيمان بالله كسب .
كسب في ذاته . و الأجر عليه بعد ذلك فضل من الله . إنه طمأنينة في القلب و استقامة على الطريق ، و ثبات على الأحداث ، و ثقة بالسند ، و اطمئنان للحمى ، و يقين بالعاقبة . و إن هذا في ذاته لهو الكسب . |
و من هدي فقد أفلح ، فهو سائر على النور ، واصل إلى الغاية ناج من الضلال في الدنيا ، و من عواقب الضلال في الآخرة ..
و هو مطمئن في رحلته على هذا الكوكب تتناسق خطاه مع دورة الأفلاك و نواميس الوجود .. فيحس بالأنس و الراحة و التجاوب مع كل كائن في الوجود . |
و اليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس ، و كي تتأثر ، و كي تنيب ..
اليقين الذي يدع القلوب تقر و تثبت و تطمئن ، و تتلقى حقائق الكون في هدوء و يسر و ثقة ، و في راحة من القلق و الحيرة و الزعزعة .. فتصوغ من أقل ما تحصل أكبر النتائج و أعظم الآثار في هذا الوجود . |
إن الحق هو النقطة الثابتة التي يقف عليها من يؤمن بالحق فلا تتزعزع قدماه ، و لا تضطرب خطاه .
و من يفارق الحق تتقاذفه الأهواء ، و تتناوحه الهواجس ، و تتخطفه الهواتف ، و تمزقه الحيرة ، و تقلقه الشكوك ، و يضطرب سعيه هنا و هناك .. و هو لا يلوذ من حيرته بركن ركين ، و لا بملجأ أمين . فهو في أمر مريج . |
بعض الناس يحسب اللؤم قوة ، و المكر السيئ براعة .
و هو في حقيقته ضعف و خسة . فالقوي ليس لئيما و لا خبيثا ، و لا خادعا و لا متآمرا ولا غمازا في الخفاء لمازا . |
إن الطريق واضح ، و الصراط مستقيم ..
فإما العلم الذي جاء من عند الله ، و إما الهوى في كل ما عداه و ليس للمسلم أن يتلقى إلا من الله . و ليس له أن يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلب . و ما ليس من عند الله فهو الهوى بلا تردد . |
التقوى .
التقوى تصاحب كل شيء . فهي الحارس اليقظ في الضمير يحرسه أن يغفل ، و يحرسه أن يضعف ، و يحرسه أن يعتدي ، و يحرسه أن يحيد عن الطريق من هنا و هناك . و لا يدرك الحاجة إلى هذا الحارس اليقظ ، إلا من يعاني مشاق هذا الطريق ، و يعالج الانفعالات المتناقضة المتكاثرة المتواكبة في شتى الحالات و شتى اللحظات . |
الابتلاء من الله نعمة لا تصيب إلا من يريد له الله به الخير .
فإذا أصابت أولياءه ، فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم – و لو وقع الابتلاء مترتبا على تصرفات هؤلاء الأولياء – فهناك الحكمة المغيبة و التدبير اللطيف ، و فضل الله على أوليائه المؤمنين . و هكذا تستقر القلوب ، و تطمئن النفوس ، و تستقر الحقائق الأصيلة البسيطة في التصور الإسلامي الواضح المستقيم . |
جزاك الله خيرا
|
الساعة الآن 09:29 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.