========143========
الثبات و التناسق ، هو الظاهرة الملحوظة في القرآن .. و هذا فقط في التعبير اللفظي و الأداء الأسلوبي . فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز ، تختلف ألوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها و لكن يتحد مستواه و أفقه و الكمال في الأداء بلا تغير و لا اختلاف من مستوى إلى مستوى .. إنه يحمل طابع الصنعة الإلهية و يدل على الصانع . يدل على الموجود الذي لا يتغير من حال إلى حال و لا تتوالى عليه الأحوال . |
======== 144========
لقد كانت هذه الأمة تتلقى هذا القرآن لتقرر – وفق توجيهاته و تقريراته – خطتها و حركاتها ، و لتتخذ أيضا مواقفها من الناس جميعا . فهذا الكتاب كان هو موجهها و محركها و رائدها و مرشدها .. و من ثم كانت تغلب و لا تغلب ، لأنها تخوض معركتها مع أعدائها تحت القيادة الربانية المباشرة مذ كان نبيها – صلى الله عليه و سلم – يقودها وفق الإرشادات الربانية العلوية . فهذا القرآن من عند الله باهر ، معجز في تعبيره ، و معجز في منهجه ، و معجز في الكيان الاجتماعي العضوي الحركي الذي يرمي إلى إنشائه على غير مثال . و الذي لم يلحق به من بعده أي مثال . |
======== 145 ========
القرآن يدعو إلى اليقين . و القرآن يدعو على لسان الرسول – صلى الله عليه و سلم – إلى إتباعه فإنه يسير بنا في الطريق المستقيم ، القاصد الواصل الذي لا يضل سالكوه . و يبين لنا أن انحرافنا و شرودنا أثر من إتباع الشيطان . و الرسول أولى أن نتبعوه . و القرآن لا يفتأ يذكرنا بالمعركة الخالدة بيننا و بين الشيطان منذ أبينا آدم ، و منذ المعركة الأولى في الجنة . و أغفل الغافلين من يعلم أن له عدوا يقف له بالمرصاد ، و عن عمد و قصد ، ثم لا يأخذ حذره ، ثم يزيد فيصبح تابعا لهذا العدو الصريح . |
========146 ========
هذه النعمة الكبرى التي تتجلى فيها رحمة الرحمن بالإنسان .. القرآن . الترجمة الصادقة الكاملة لنواميس هذا الوجود ، و منهج السماء للأرض الذي يصل أهلها بناموس الوجود ، و يقيم عقيدتهم و تصوراتهم و موازينهم و قيمهم و نظمهم وأحوالهم على الأساس الثابت الذي يقوم عليه الوجود . فيمنحهم اليسر و الطمأنينة و التفاهم و التجاوب مع الناموس . |
========147========
لقد كان القرآن يدفع السلاح المسموم لأهل الكتاب ، و هو حقدهم على الإسلام و المسلمين . كان يأخذ الجماعة المسلمة بتثبيت على الحق الذي هي عليه ، و ينفي الشبهات و الشكوك التي يلقيها أهل الكتاب ، و يجلو الحقيقة الكبيرة التي يتضمنها هذا الدين ، و يقنع الجماعة المسلمة بحقيقتها و قيمتها في هذه الأرض ، و دورها و دور العقيدة التي تحملها في تاريخ البشرية . و كان يأخذها بالتحذير من كيد الكائدين ، و يكشف لهم نواياهم المستترة و وسائلهم القذرة ، و أهدافهم الخطرة . و كان يأخذها بتقرير حقيقة القوى و موازينها في هذا الوجود فيبين لها هزال أعدائها ، و هوانهم على الله ، كما يبين لها أن الله معها و هو مالك الملك المعز المذل وحده بلا شريك . |
======== 148 ======== و القرآن نزل بالحق كالكتب المنزلة ، و نزل على رسول من البشر كما نزلت الكتب على رسل من البشر . و هو مصدق لما بين يديه من كتب الله ، يضم جناحيه على الحق التي تضم جوانحها عليه . و قد نزله من يملك تنزيل الكتب . فهو منزل من الجهة التي لها الحق في وضع منهاج الحياة للبشر ، و بناء تصوراتهم الاعتقادية و شرائعهم و أخلاقهم و آدابهم في الكتاب الذي ينزله على رسوله – صلى الله عليه و سلم – و أنه نزل بالحق لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه |
======== 149 ========
القرآن : يتمثل الحق في صدوره من جهة الألوهية ، و هي الجهة التي تملك حق تنزيل الشرائع ، و فرض القوانين . و يتمثل الحق في محتوياته ، و في كل ما يعرض له من شئون العقيدة و الشريعة ، و في كل ما يقصه من خبر ، و ما يحمله من توجيه . فهو الصورة الأخيرة لدين الله ، و هو المرجع الأخير في هذا الشأن ، و المرجع الأخير في منهج الحياة و شرائع الناس ، و نظام حياتهم ، بلا تعديل بعد ذلك و لا تبديل . و من ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه . فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كله هو هذا القرآن . و لا قيمة لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير . |
======== 150 ========
هذا القرآن المعجز الذي لا يستطيع الإنسان و الجن أن يأتوا بمثله و لو اجتمعوا و تظاهروا . و الذي صرف الله فيه دلائل الهدى و نوعها لتخاطب كل عقل و كل قلب . هذا القرآن فهو المعجزة الباقية الحقة . و قد جاء متفرقا حسب حاجة الأمة التي جاء لتربيتها و إعدادها و الذين أوتوا العلم من قبله من مؤمني الأمم السابقة يدركون ما فيه من حق و يذعنون له و يخشعون ، و يؤمنون به و يسلمون و للقرآن – كما للصلاة – إيقاعه في الحس في مطلع الفجر و نداوته ، و نسماته الرخية ، و هدوئه السارب ، و تفتحه بالنور و نبضه بالحركة ، و تنفسه بالحياة . |
======== 151 ========
هذا القرآن الذي لا تنفذ عجائبه ، و لا يخلق على كثرة الرد كما يقول عنه النبي – صلى الله عليه و سلم – الذي تلقاه و استوعب أسراره و عاش بها . و لقد وجد الذين سمعوا هذا القرآن أول مرة من آيات الله في الأٍرض و آياته في النفس ، نصيبهم ، و تسلموا رصيدهم وفق معارفهم و تجاربهم و إشراقات نفوسهم . و وجد كذلك كل جيل أتى بعدهم نصيبا يناسب ما تفتح له من أنواع العلوم و المعارف و التجارب . و نجد نحن نصيبنا وفق ما اتساع لنا من رقعة العلم و المعرفة و التجريب . و ستجد الأجيال بعدنا نصيبها مدخرا لها من الآيات التي لم تكشف لنا بعد في الأرض و النفس . |
======== 152 ========
القرآن . فهو المنهج الثابت الواضح المستقر لإنشاء الجماعة المسلمة ، و لقيادة الحركة الإسلامية في كل جيل . و القرآن من ثم أداة حية متحركة فاعلة ، و دستور شامل عامل في كل وقت .. بل هو قيادة راشدة لمن يطلب عندها الرشد و الهدى و النصيحة في كل موقف و في كل خطوة و في كل جيل . |
الساعة الآن 09:59 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.