خاطرة ....
و من كان شأنه أن ينتهي و يمضي، فلا يخلد و يبقى. من كان شأنه أنه سائح في رحلة ذات أجل، و أن يعقبه من بعده ليرى ماذا ترك و ماذا عمل .. و أن يصير في النهاية إلى من يحاسبه على ما قال و ما فعل . من كان هذا شأنه جدير بأن يحسن ثواءه القليل ، و يترك وراءه الذكر الجميل ، و يقدم بين يديه ما ينفعه في مثواه الأخير . |
و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ..
و أمن الزلل و الشطط أمنه للتفريط و التقصير .. و اطمأن إلى خطواته في الطريق على اتزان و على نور . |
إن الفارق الرئيسي بين الإنسان و الحيوان :
أن للإنسان إرادة و هدف و تصورا خاصا للحياة يقوم على أصولها الصحيحة ، المتلقاة من الله خالق الحياة . فإذا ففد هذا كله فقد أهم خصائص الإنسان المميزة لجنسه ، و أهم المزايا التي من أجلها كرمه الله . |
إن حياة المسلم حياة كبيرة لأنها منوطة بوظيفة ضخمة ، ذات ارتباط بهذا الوجود الكبير ، و ذات أثر في حياة هذا الوجود الكبير .
و هي أعز و أنفس من أن يقضيها في عبث و لهو و خوض و لعب . و ويل لأولئك الخائضين اللاعبين . |
التوكل على الله .
و هو كاف لمن يتوكل عليه . فالله بالغ أمره . فما قدر وقع ، و ما شاء كان . فتوكل عليه توكل على قدرة القادر، و قوة القاهر . الفعال لما يريد . البالغ ما يشاء . |
و القلب الذي يسجد لله حقا ، و يتصل به على مدار الليل و النهار ..
يستشعر أنه موصول السبب بواجب الوجود .. و يجد لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض و حاجات الأرض .. و يحس أنه أقوى من المخاليق لأنه موصول بخالق المخاليق .. و هذا كله مصدر قوة للضمير كما أنه مصدر تحرج و تقوى . |
إن الكلمة لتنبعث ميتة و تصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة ، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها .
و لن يؤمن إنسان بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول . |
و نور الله واحد متصل شامل ..
و ما عداه ظلمات تتعدد و تختلف . و ما يخرج الناس من نور الله إلا ليعيشوا في ظلمة من الظلمات أو في الظلمات مجتمعة . و ما ينقذهم من الظلام إلا نور الله الذي يشرق في قلوبهم و يغمر أرواحهم ، و يهديهم إلى فطرتهم .. و هي فطرة هذا الوجود . |
الحق و الباطل في الحياة الدنيا
فالباطل يطفو و يعلو و ينتفخ و يبدو رابيا طافيا و لكنه بعد زبد أو خبث ، ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحا لا حقيقة له و الحق يظل هادئا ساكنا ، و ربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات و لكنه هو الباقي في الأرض كالماء المحيي و المعدن الصريح ، ينفع الناس |
|
قيمة الإيمان في حياة الإنسان ..
إنه المرتقى الذي تصل فيه الفطرة القويمة إلى غاية كمالها .. إنه الحبل الممدود بين الفطرة و بارئها .. إنه النور الذي يكشف لها مواقع خطاها في المرتقى الصاعد إلى حياة الخالدين المكرمين . |
إن التلطف في دعوة الناس إلى الله ينبغي إن يكون في الأسلوب الذي يبلغ به الداعية ، لا في الحقيقة التي يبلغهم إياها ..
إن الحقيقة يجب أن تبلغ إليهم كاملة . أما الأسلوب فيتبع المقتضيات القائمة ، و يرتكز على قاعدة الحكمة و الموعظة الحسنة . |
إنه ليس أشنع من خيانة المستأمن ..
و ليس أبشع من تفريط المستحفظ .. و ليس أخس من تدليس المستشهد .. |
إنّهُ اللطيف، يغلق عنك بابًا ويفتح لك أبوابًا أخرى أكثر سِعَة، ويأخذ منك من جهة ويعطيك من جهات أخرى أكثر وفرة وغِنَى، ويبعد عنك أشخاص أو أشياء ظننتها في صالحك ويُقرِب مايليق بك ويرتقي بك أكثر من الأولى، هو الذي يدبر أمرك بحكمته، ويكفيك قوله سُبحانه: (وَهُو معَكم أينَما كُنتُم)".
|
إن الإيمان أمانة الله في الأرض ..
لا يحملها إلا من هم لها أهل ، و فيهم على حملها قدرة .. و في قلوبهم تجرد لها و إخلاص .. و إلا الذين يؤثرونها على الراحة و الدعة ، و على الأمن و السلامة ، و على المتاع و الإغراء . و إنها لأمانة الخلافة في الأرض . |
وإذا نظرتَ إلى السماءِ مُناجِياً
ورجوتَ ربّكَ أن يُحقّقَ مأملَكْ فرأيتَ ما لا ترتجيهِ مع الدُّعا وظننتَ أنّ الحُزن أطفأ مِشعلَكْ لا تجزَعنّ من الحياةِ وضيقها حاشاهُ رحمنَ السما أن يخذُلكْ ولو اطّلعتَ على الغيوبِ ولُطفِها لعلِمتَ أنّ الخيرَ فيمَ اختار لكْ |
إن العبادة و الذكر عنصر أساسي في منهج هذا الدين .
و تغيير الواقع الجاهلي إلى واقع رباني يحتاج إلى جهد طويل ، و إلى صبر عميق .. و طاقة صاحب الدعوة محدودة ، و لا قبل له بمواجهة هذه المشقة دون زاد يستمده من ربه .. إنما هي العبادة لله و الاستمداد منه هي الزاد ، و هي السند ، و هي العون في الطريق الشاق الطويل . إن الكلمة لا تعطي مدلولها الحقيقي : إلا للقلب المفتوح لها .. و العقل الذي يستشرفها و يتقبلها . |
و ليست الحياة لهوا و لعبا .
و ليست الحياة أكلا كما تأكل الأنعام و متاعا . و ليست الحياة سلامة ذليلة ، و راحة بليدة و رضى بالسلم الرخيصة .. إنما الحياة هي هذه : كفاح في سبيل الحق ، و جهاد في سبيل الخير ، و انتصار لإعلاء كلمة الله ، أو استشهاد في سبيل الله .. ثم الجنة و الرضوان . |
و القلب الذي يحس أن يد الله – سبحانه – تقود خطاه ، و تهديه السبيل ..
هو قلب موصول بالله لا يخطئ الشعور بوجوده – سبحانه – و ألوهيته القاهرة المسيطرة .. و هو شعور لا مجال معه للتردد في المضي في الطريق ، أيا كانت العقبات في الطريق ، و أيا كانت قوى الطاغوت التي تتربص في هذا الطريق . |
و ما من مؤمن ذاق طعم الإيمان ، إلا و ذاق معه حلاوة الوعد ، و صدق العهد .
و من أوفى بعهد من الله ؟ و من اصدق من الله حديثا ؟ . |
إن القيم الحقيقية ليست هي المال ، و ليست هي الجاه ، و ليست هي السلطان ..
كذلك ليست هي اللذائذ و المتاع في هذه الحياة .. إن هذه كلها قيم زائفة و قيم زائلة . و الإسلام لا يحرم الطيب منها ، و لكنه لا يجعل منها غاية لحياة الإنسان . فمن شاء أن يتمتع بها فليتمتع ، و لكن ليذكر الله الذي أنعم بها ،و ليشكره على النعمة بالعمل الصالح . فالباقيات الصالحات خير و أبقى . |
لا يخطو المسلم في حياته خطوة ..
و لا يتحرك في ليلة أو نهار حركة .. إلا و هو ينظر فيها إلى الله ، و يجيش قلبه فيها بتقواه ، و يتطلع فيها إلى وجهه و رضاه . فإذا الحياة كلها عبادة تتحقق بها إرادة الله من خلق العباد ، و تصلح بها الحياة في الأرض و هي موصولة السبب بالسماء . |
فما تكون كلمة المؤمن الذي رأى النور ..
إنها كلمة القلب الذي وجد الله فلم يعد يحفل ما يفقد بعد هذا الوجدان . القلب الذي اتصل بالله فذاق طعم العزة فلم يعد يحفل الطغيان . القلب الذي يرجو الآخرة فلا يهمه من أمر هذه الدنيا قليل و لا كثير . |
و كل ما عدا الله ميت ، لأنه صائر إلى الموت ، فلا يبقى إلا الحي الذي لا يموت .
و التوكل على ميت تفارقه الحياة يوما طال عمره أو قصر هو ارتكان إلى ركن ينهار ، و إلى ظل يزول . إنما التوكل على الحي الدائم الذي لا يزول . |
إن حياة المسلم حياة كبيرة لأنها منوطة بوظيفة ضخمة ، ذات ارتباط بهذا الوجود الكبير ، و ذات أثر في حياة هذا الوجود الكبير .
و هي أعز و أنفس من أن يقضيها في عبث و لهو و خوض و لعب . و كثير من اهتمامات الناس في الأرض يبدو عبثا و لهوا و لعبا حين يقاس إلى اهتمامات المسلم الناشئة من تصوره لتلك الوظيفة الضخمة المرتبطة بحقيقة الوجود . |
إن إيثار الحياة الدنيا هو أساس كل بلوى .
فعن هذا الإيثار ينشا الإعراض عن الذكرى ، لأنها تقتضيهم أن يحسبوا حساب الآخرة و يؤثرونها . و هم يريدون الدنيا و يؤثرونها . و تسميتها " الدنيا " لا تجيء مصادفة . فهي الواطية الهابطة إلى جانب أنها الدانية : العاجلة : " و الآخرة خير و أبقى " خير في نوعها ، و أبقى في أمدها . |
و ما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا .
و ما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا . و ما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها و تؤمن به و تأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا و لا رشدا . |
الله لا يريد منا شيئا لذاته – سبحانه – فهو الغني .
إنما يريد صلاحنا . يريد الخير لنا . يريد طهارة قلوبنا و سعادة حياتنا . يريد لنا حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف ، و التكافل الجميل ، و الأريحية الكريمة و الحب و الإخاء و نظافة القلب و السلوك . |
فعهد الله منهج حياة ..
منهج يستقر في القلب تصورا و شعورا .. و يستقر في الحياة وضعا و نظاما .. و يستقر في السلوك أدبا و خلقا .. و ينتهي إلى التقوى و الحساسية برقابة الله و خشية المصير . |
و ما يترك الإنسان نور الله الواحد الذي لا يتعدد .
نور الحق الواحد الذي لا يتلبس . حتى يدخل في الظلمات من شتى الأنواع و شتى الأصناف .. و كلها ظلمات . و العاقبة هي النار هم فيها خالدون . و إذا لم يهتدوا بالنور ، فليخلدوا إذن في النار . إن الحق واحد لا يتعدد و الضلال ألوان و أنماط .. فماذا بعد الحق إلا الضلال . |
فمن كان الله معه .
فلا شيء إذن ضده . و مهما يكن ضده من شيء فهو هباء لا وجود – في الحقيقة - له و لا أثر . و من كان الله معه فلن يضل طريقه ، فإن معية الله – سبحانه – تهديه كما أنها تكفيه . و من كان الله معه فلن يقلق و لن يشقى ، فإن قربه من الله يطمئنه و يسعده . و على الجملة فمن كان الله معه فقد ضمن ، و قد وصل .. و ما له زيادة يستزيدها على هذا المقام الكريم . |
فالعداء بين الدنيا و الآخرة ..
و الافتراق بين طريق الدنيا و طريق الآخرة .. ليس هو الحقيقة النهائية التي لا تقبل التبديل ، بل إنها ليست من طبيعة هذه الحياة أصلا . إنما هي عارض ناشئ من انحراف طارئ . إن الأصل أن يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا . |
الإيمان بالغيب نقلة في حياة الإنسان ضخمة ، لأن خروجه من دائرة المحسوس الضيقة إلى إدراك أن هناك غيبا مجهولا يمكن وجوده و يمكن تصوره هو – بلا شك – نقلة من دائرة الحس الحيواني إلى مجال الإدراك الإنساني .
و أن إغلاق هذا المجال دون الإدراك الإنساني نكسة به إلى الوراء ، و هو ما تحاوله المذاهب المادية الحسية ، و تدعوه " تقدمية " |
. و الذين يتذكرون لهم دار السلام عند ربهم ..
دار الطمأنينة و الأمان .. مضمونة عند ريهم لا تضيع .. و هو وليهم و ناصرهم و راعيهم و كافلهم .. ذلك بما كانوا يعملون . |
و كم من كلمات براقة ..
و كم من مذاهب و نظريات .. و كم من تصورات مزوقة .. و كم من أوضاع حشدت لها كل قوى التزيين و التمكين .. و لكنها تتذواب أمام كلمة من الله ، فيه من سلطانه – سبحانه – سلطان . |
و الإيمان بالله قوة دافعة دافقة .
تجمع جوانب الكينونة البشرية كلها ، و تتجه بها إلى وجهة واحدة .. و تطلقها تستمد من قوة الله ، و تعمل لتحقيق مشيئته في خلافة الأرض و عمارتها ، و في دفع الفساد و الفتنة عنها ، و في ترقية الحياة و نمائها .. و هذه كذلك من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية . |
و ليست الحياة لهوا و لعبا ..
و ليست الحياة أكلا كما تأكل الأنعام و متاعا .. و ليست الحياة سلامة ذليلة ، و راحة بليدة و رضى بالسلم الرخيصة .. إنما الحياة هي كفاح في سبيل الحق ، و جهاد في سبيل الخير ، و انتصار لإعلاء كلمة الله ، أو استشهاد كذلك في سبيل الله . ثم الجنة و الرضوان . |
الاستقامة :
الاعتدال و المضي على النهج دون انحراف . و هو في حاجة إلى اليقظة الدائمة ، و التدبر الدائم ، و التحري الدائم لحدود الطريق .. و ضبط الانفعالات البشرية التي تميل الاتجاه قليلا أو كثيرا . و من ثم فهي شغل دائم في كل حركة من حركات الحياة . |
القلب الندي بالإيمان ، المتصل بالرحمن ، فلا ييأس و لا يقنط مهما أحاطت به الشدائد ، و مهما ادلهمت حوله الخطوب ، و مهما غام الجو و تلبد ، و غاب وجه الأمل في ظلام الحاضر و ثقل هذا الواقع الظاهر ..
فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين . و قدرة الله تنشىء الأسباب كما تنشىء النتائج ، و تغير الواقع كما تغير الموعود . |
إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان و الزواحف و الحشرات و الهوام و الوحوش و الأنعام .
فأما الحياة للآخرة فهي الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله الذي خلقه فسواه ، و أودع روحه ذلك السر الذي ينزع به إلى السماء و إن استقرت على الأرض قدماه . |
الساعة الآن 03:15 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.