هذا هو الإسلام ... يتبع .
لقد جاء الإسلام و في العالم ركام من العقائد و التصورات و ألأساطير و الفلسفات و الأوهام و الأفكار ..
يختلط فيها الحق بالباطل ، و الصحيح بالزائف ، و الدين بالخرافة .. و الضمير الإنساني تحت هذا الركام الهائل يتخبط في ظلمات و ظنون ، و لا يستقر منها على يقين . |
الإسلام الذي جاء به محمد – صلى الله عليه و سلم – إلا الدين الواحد الخالد .
جاء به في صورته الأخيرة ، و هو امتداد لرسالة الله ، و لعهد الله مند البشرية الأولى .. يضم جناحيه على ما مضى ، و يأخذ بيد البشرية فيما سيأتي .. و يوحد بين العهد القديم و العهد الجديد .. و يضيف ما أراده الله من الخير و الصلاح للبشرية في مستقبلها الطويل .. و يجمع بذلك بين البشر كلهم إخوة متعارفين ، يلتقون على عهد الله ، و دين الله ، لا يتفرقون شيعا و أحزابا .. و لكن يلتقون عبادا لله . |
إن الإسلام يعتبر أن الأصل الوحيد الذي يقوم عليه التشريع للناس هو أمر الله و إذنه .
باعتبار أنه هو مصدر السلطان الأول و الأخير فكل ما لم يقم ابتداء على هذا الأصل فهو باطل ، غير قابل للتصحيح المستأنف .. و الإسلام حين يسيطر على الحياة و يصرفها ، يأخذ الحياة جملة و يأخذ الأمر جملة ، فيسقط ابتداء كل أوضاع الجاهلية و كل قيمها ، و كل عرفها ، و كل شرائعها لأنها باطلة . |
و هذا هو لإسلام .
انسلاخا كاملا عن كل ما في الجاهلية ، و تحرجا بالغا من كل أمر من أمور الجاهلية ، و حذرا دائما من كل شعور و كل حركة كانت النفس تأتيها في الجاهلية .. حتى يخلص القلب للتصور الجديد بكل ما يقتضيه . |
إن الإسلام يعترف بالإنسان جسما و عقلا و روحا في كيان ..
و لا يفترض أن هناك تعارضا بين نشاط هذه القوى المكونة في مجموعها للإنسان .. و لا يحاول أن يكبت الجسم لتنطلق الروح ، لأن هذا الكبت ليس ضروريا لانطلاق الروح . |
لقد تفرد الإسلام بمنهجه الرباني في إبراز أخص خصائص الإنسان و تنميتها ، و إعلائها في بناء المجتمع الإنساني ..
و ما يزال متفردا . و الذين يعدلون عنه إلى أي منهج آخر يقوم على أية قاعدة أخرى ، من القوم أو الجنس أو الأرض أو الطبقة .. إلى آخر هذا النتن السخيف هم أعداء " الإنسان " حقا .. هم الذين لا يريدون لهذا الإنسان أن يتفرد في هذا الكون بخصائصه العليا كما فطره الله . |
لقد الإسلام لينادي بإنسانية واحدة تذوب فيها الفوارق الجنسية و الجغرافية .
لتلتقي في عقيدة واحدة و نظام واحد . و لقد جاء الإسلام ليسوي بين جميع الناس أمام القضاء و القانون . |
إن الإسلام منهاج حياة كامل .
فهو ينظم حياة الإنسان في كل أطوارها و مراحلها ، و في كل علاقاتها و ارتباطاتها ، و في كل حركاتها و سكناتها . و من ثم يتولى بيان الآداب اليومية الصغيرة ، كما يتولى بيان التكاليف العامة الكبيرة .. و ينسق بينهما جميعا .. و يتجه بها إلى الله في النهاية |
و لقد حرص الإسلام حرصا شديدا على تجريد عقيدة التوحيد و تخليصها من كل ما علق بها من الأساطير و الأوشاب و الانحرافات التي طرأت على العقائد التي سبقته .
حرص هذا الحرص لأن التوحيد حقيقة أولية كبيرة يقوم عليها هذا الوجود كله و يشهد بها هذا الوجود شهادة واضحة أكيدة . و لأن هذا التوحيد في الوقت ذاته قاعدة لا تصلح الحياة البشرية كلها في أصولها و فروعها إلا إذا قامت عليها . |
إن الإسلام لا يتشهى القتال ، و لا يريده حبا فيه ..
و لكنه يفرضه لأن الواقع يحتمه ، و لأن الهدف الذي وراءه كبير . فالإسلام يواجه البشرية بالمنهج الإلهي في صورته الأخيرة المستقرة .. و هذا المنهج – و لو أنه يلبي الفطرة المستقيمة – إلا أنه يكلف النفوس جهدا لتسمو إلى مستواه ، و لتستقر على هذا المستوى الرفيع |
إن الإسلام ليس حادثا تاريخيا ، وقع مرة ، ثم مضى التاريخ و خلفه وراءه ،
إنه اليوم مدعو لأداء دوره الذي أداه مرة ، في مثل الظروف و الملابسات و الأوضاع و الأنظمة و التصورات و العقائد و القيم و الموازين و التقاليد ، التي واجهها أول مرة |
يريد الإسلام البيت مكانا للسكينة النفسية و الاطمئنان الشعوري
هكذا يريده مريحا تطمئن إليه النفس و تسكن و تأمن سواء بكفايته المادية للسكنى و الراحة ، أو باطمئنان من فيه بعضهم لبعض ، و يسكن من فيه كل إلى الآخر ، فليس البيت مكانا للنزاع و الشقاق و الخصام ، إنما هو مبيت و سكن و أمن و اطمئنان و سلام |
لقد جاء الإسلام ليسوي بين الرؤوس أمام الله
فلا تفاضل بينها بمال و لا نسب و لا جاه فهذه قيم زائفة و قيم زائلة إنما التفاضل بمكانها عند الله و مكانها عند الله يوزن بقدر اتجاهها إليه و تجردها له و ما عدا هذا فهو الهوى و السفه و البطلان |
إن الإسلام عقيدة قلوب ، و منهج تربية لهذه القلوب .
فهو دين سلام ، و عقيدة حب . و نظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله ، و أن يقيم فيه منهجه و أن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعا رفين متاحبين .. و الخير كل الخير أن ينضموا تحت لوائه الرفيع . |
الإسلام لا يقيم حياة أهله على العطاء .
فإن نظامه كله يقوم أولا على تيسير العمل و الرزق لكل قادر ، و على حسن توزيع الثروة بين أهله بإقامة هذا التوزيع على الحق و العدل بين الجهد و الجزاء . |
إن الإسلام ليس راية و لا شعارا و لا وراثة ..
إن دين الله حقيقة تتمثل في الضمير و في الحياة سواء . تتمثل في عقيدة تعمر القلب ، و شعائر تقام للتعبد ، و نظام يصرف الحياة . و لا يقوم دين الله إلا في هذا الكل المتكامل . و لا يكون الناس على دين الله إلا و هذا الكل المتكامل متمثل في نفوسهم و في حياتهم . |
و الحياة في الإسلام حياة متكاملة القواعد و الأركان .
و الذين يتصورون أنه من الممكن تطعيم الحياة الإسلامية ، و النظام الإسلامي بمنتجات حياة أخرى و نظام آخر لا يدركون طبيعة الفوارق الجذرية العميقة بين الأسس التي تقوم عليها الحياة في الإسلام و التي تقوم عليها الحياة في كل نظام بشري من صنع الإنسان . |
إن الإسلام يبدأ بتقرير حق كل فرد في المجتمع المسلم في دار الإسلام في الحياة .
و حقه في كل الوسائل الضرورية لحفظ الحياة .. من حق كل فرد أن يأكل و أن يشرب و أن يلبس و أن يكون له بيت يؤويه و يجد فيه السكن و الراحة .. من حق كل فرد على الجماعة – و على الدولة النائبة عن الجماعة – أن يحصل على هذه الضروريات .. أولا عن طريق العمل – ما دام قادرا على العمل – وعلى الجماعة أن تعلمه كيف يعمل ، و أن تيسر له العمل ، و أداة العمل .. و الإسلام يربي ضمائر الناس و أخلاقهم ، فيجعل تفكيرهم يتجه إلى العمل و الكسب عن طريقه لا إلى السرقة . |
و لقد ضمن الإسلام للبشرية أعلى أفق في التصور ، و أقوم منهج في الحياة .
فهو يدعو البشرية كلها أن تفيء إليه . الأمة المسلمة اليوم في حاجة إلى التميز بشخصية خاصة لا تتلبس بشخصيات الجاهلية السائدة .. و التميز بتصور خاص للوجود و الحياة لا يتلبس بتصورات الجاهلية السائدة .. و التميز بأهداف و اهتمامات تتفق مع تلك الشخصية و هذا التصور .. و التميز براية خاصة تحمل اسم الله وحده ، فتعرف بأنها الأمة الوسط التي أخرجها الله للناس لتحمل أمانة العقيدة و تراثها . |
إن الإسلام لا يقرر مبدأ الحرية الدينية وحده ..
و لا ينهى عن الإكراه على الدين فحسب . إنما يقرر ما هو أبعد من ذلك كله . يقرر السماحة الإنسانية المستمدة من توجيه الله – سبحانه – يقرر حق المحتاجين جميعا في أن ينالوا العون و المساعدة – ما داموا في غير حالة حرب مع المسلمين – دون نظر إلى عقيدتهم . و يقرر أن ثواب المعطين محفوظ عند الله على كل حال ، ما دام الإنفاق ابتغاء وجه الله . و هي وثبة بالبشرية لا ينهض بها إلا الإسلام ، و لا يعرفها على حقيقتهإ إلا أهل الإسلام |
إن هذا الإسلام منهج للحياة البشرية ، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد بشري ، في حدود الطاقة البشرية ، و يسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود جهدهم البشري و طاقتهم البشرية ..
و ميزته الأساسية أنه لا يغفل لحظة ، في أية لحظة ، و في أية خطوة ، عن طبيعة فطرة الإنسان ، و حدود طاقته ، و واقعه المادي أيضا . و أنه في الوقت ذاته يبلغ به – كما تحقق ذلك فعلا في بعض الفترات و كما يمكن أن يتحقق دائما كلما بذلت محاولة جادة – ما لم يبلغه أي منهج آخر من صنع البشر على الإطلاق . |
الإسلام يجعل كل فرد أمينا على شريعة الله و سنة رسوله – صلى الله عليه و سلم - .
أمينا على إيمانه هو و دينه . أمينا على نفسه و عقله . أمينا على مصيره في الدنيا و الآخرة . و لا يجعله بهيمة في القطيع ، تزجر من هنا أو من هنا فتسمع و تطيع . فالمنهج واضح ، و حدود الطاعة واضحة . و الشريعة التي تطاع و سنة التي تتبع واحدة لا تتعدد ، و لا تتفرق ، و لا يتوه فيها الفرد بين الظنون . |
الإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام ..
و لا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام .. لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام و طبيعة المنهج الإسلامي .. و لا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام ، أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه .. إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء . |
إن الإسلام إسلام فحسب .
و الشريعة الإسلامية شريعة إسلامية فحسب . إن الوقفة الأولى للمسلم أمام أية عقيدة ليست هي الإسلام هي وقفة المفارقة و الرفض منذ اللحظة الأولى . و كذلك وقفته أمام أي شرع أو نظام أو وضع ليست الحاكمية فيه لله وحده – و بالتعبير الآخر – ليست الألوهية و الربوبية فيه لله وحده . إن الدين عند الله الإسلام . |
إن الإسلام عقيدة مفتوحة مرنة قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلها ، و مقدرات الحياة كلها ..
و من ثم يهيئ القرآن الأذهان و القلوب لاستقبال كل ما تتمخض عنه القدرة ، و يتمخض عنه العلم ، و يتمخض عنه المستقبل . استقباله بالوجدان الديني المتفتح المستعد لتلقي كل جديد في عجائب الخلق و العلم و الحياة . |
لقد رفع الإسلام ذوق المجتمع الإسلامي ، و طهر إحساسه بالجمال ، فلم يعد الطابع الحيواني للجمال هو المستحب ..
بل الطابع الإنساني المهذب .. و جمال الكشف الجسدي جمال حيواني يهفو إليه الإنسان بحس الحيوان ، مهما يكن من التناسق و الاكتمال . فأما جمال الحشمة فهو الجمال النظيف ، الذي يرفع الذوق الجمالي و يجعله لائقا بالإنسان ، و يحيطه بالنظافة و الطهارة في الحس و الخيال . |
إن الإسلام يرفع من اهتمامات البشر بقدر ما يرفع من تصورهم للوجود الإنساني و للوجود كله ، و بقدر ما يكشف لهم عن علة وجودهم و حقيقته و مصيره ، و بقدر ما يجيب إجابة صادقة واضحة عن الأسئلة التي تساور كل نفس :
من أين جئت ؟ لماذا جئت ؟ إلى أين أذهب ؟ و إجابة الإسلام عن هذه الأسئلة تحدد التصور الحق للوجود الإنساني و للوجود كله . فإن الإنسان ليس بدعا من الخلائق كلها . فهو واحد منها . جاء من حيث جاءت و شاركها علة وجودها و يذهب إلى حيث تقتضي حكمة خالق الوجود كله أن يذهب . |
إن هذا الدين ليس دين مظاهر و طقوس ، و لا تغني فيه مظاهر العبادات و الشعائر ، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله و تجرد مؤدية بسبب هذا الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى العمل الصالح ، و تتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض و ترقى .
كذلك ليس هذا الدين أجزاء و تفاريق موزعة منفصلة ، يؤدي منها الإنسان ما يشاء ، و يدع منها ما يشاء .. إنما هو منهج متكامل تتعاون فيه عباداته و شعائره ، و تكاليفه الفردية و الاجتماعية ، حيث تنتهي كلها إلى غاية تعود كلها إلى البشر .. غاية تتطهر معها القلوب ، و تصلح الحياة ، و يتعاون الناس و يتكافلون في الخير و الصلاح و النماء .. و تتمثل في رحمة الله السابغة بالعباد . |
بالقياس إلى المسلمين :
من هم بغير الإسلام ؟ إنهم حين يهتدون إلى الإسلام ، و حين يصبح المنهج الإسلامي حقيقة في حياتهم ينتقلون من طور وضيع صغير ضال مضطرب إلى طور آخر رفيع عظيم مهتد مستقيم . و لا يدركون هذه النقلة إلا حين يصبحون مسلمين حقا . أي حين يقيمون حياتهم كلها على المنهج الإسلامي .. و إن كلها البشرية لتتيه في جاهلية عمياء ما لم تهتد إلى هذا النهج المهتدي . |
إن الإسلام لا يريد من المؤمنين أن يدعوا أمر الدنيا .
فهم خلقوا للخلافة في هذه الدنيا . و لكن يريد منهم أن يتجهوا إلى الله في أمرها ، و ألا يضيقوا من آفاقهم ، فيجعلوا من الدنيا سورا يحصرهم فيها .. إنه يريد أن يطلق " الإنسان " من أسوار هذه الأرض الصغيرة فيعمل فيها و هو أكبر منها ، و يزاول الخلافة و هو متصل بالأفق الأعلى .. و من ثم تبدو الاهتمامات القاصرة على هذه الأرض ضئيلة هزيلة وحدها حين ينظر إليها الإنسان من قمة التصور الإسلامي . |
إن الإسلام نظام للإنسان .
نظام واقعي ايجابي . يتوافق مع فطرة الإنسان و تكوينه ، و يتوافق مع واقعه و ضرورته ، و يتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع و شتى الأزمان و شتى الأحوال . إنه نظام واقعي ايجابي ، يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه ، و من موقفه الذي هو عليه ، ليرتفع به في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة في غير إنكار لفطرته أو تنكر ، و في غير إغفال لواقعه أو إهمال ، و في غير عنف في دفعه أو اعتساف . إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء ، و لا على التظرف المائع ، و لا على المثالية الفارغة ، و لا على الأمنيات الحالمة التي تصطدم بفطرة الإنسان و واقعه و ملابسات حياته ، ثم تتبخر في الهواء . و هو نظام يرعى خلق الإنسان و نظافة المجتمع . |
و الإسلام حين يجعل الشريعة لله وحده ، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ..
و يعلن تحرير لإنسان . بل يعلن " ميلاد الإنسان " .. فالإنسان لا يولد ، و لا يوجد ، إلا حيث تتحرر رقبته من حكم إنسان مثله ، و إلا حين يتساوى في هذا الشأن مع الناس جميعا أمام رب الناس . |
الإسلام ليس كلمة تقال باللسان ..
و ليس مجرد عبارات و أدعية . إنما هو منهج حياة كاملة شاملة تعترضه العقبات و المشاق . إنه منهج لبناء واقع الحياة على قاعدة " أن لا إله إلا الله " و ذلك برد الناس إلى العبودية لربهم الحق ، و رد المجتمع إلى حاكميته و شريعته ، و رد الطغاة المعتدين على ألوهية الله و سلطانه من الطغيان و الاعتداء .. و تأمين الحق و العدل للناس جميعا ، و إقامة القسط بينهم بالميزان الثابت ، و تعمير الأرض و النهوض بتكاليف الخلافة فيها عن الله بمنهج الله . |
لقد جعل الله هذا الدين " الإسلام " يسرا لا عسرا .
فبين ما نهى عنه بيانا واضحا ، كما بين ما أمر به بيانا واضحا و سكت عن أشياء لم يبين فيها بيانا – لا عن نسيان و لكن عن حكمة و تيسير - .. و نهى عن السؤال عما سكت عنه لئلا ينتهي السؤال إلى التشديد . و من ثم فليس لأحد أن يحرم شيئا من المسكوت عنه ، و لا أن ينهى عما لم يبينه الله . تحقيقا لرحمة الله بالعباد . |
إن الإسلام ليس مجموعة إرشادات و مواعظ ، و لا مجموعة آداب و أخلاق ، و لا مجموعة شرائع و قوانين ، و لا مجموعة أوضاع و تقاليد ..
إنه يشتمل على هذا كله . و لكن هذا كله ليس هو الإسلام .. إنما الإسلام الاستسلام . الاستسلام لمشيئة الله و قدره ، و الاستعداد ابتداء لطاعة أمره و نهيه ، و لاتباع المنهج الذي يقرره دون التلفت إلى أي توجيه آخر و إلى أي اتجاه . و دون اعتماد كذلك على سواه . و هو اليقين بأنهم ليس لهم من الأمر شيء إلا اتباع ما يأمرهم به الله و الانتهاء عما ينهاهم عنه ، و الآخذ بالأسباب التي يسرها لهم ، و ارتقاب النتائج التي يقدرها الله . |
و قد كان الإسلام ، و تصوره للوجود ، و رأيه في الحياة ، و شريعته للمجتمع ، و تنظيمه للحياة البشرية ، و منهجه المثالي الواقعي الإيجابي لإقامة نظام يسعد في ظله الإنسان ..
كان الإسلام بخصائصه هذه هو بطاقة الشخصية التي تقدم بها العرب للعالم ، فعرفهم ، و احترمهم ، و سلمهم القيادة .. و الإسلام وحده هو الذي جعل لهم رسالة يقدمونها للعالم ، و نظرية للحياة البشرية ، و مذهبا مميزا للحياة الإنسانية . |
إن الإسلام يتعامل مع الإنسان في حدود فطرته ، و في حدود طاقته ، و في حدود واقعه ، و في حدود حاجاته الحقيقية ..
و حين يأخذ بيده ليرتفع به من حضيض الحياة الجاهلية إلى مرتقى الحياة الإسلامية لا يغفل فطرته و طاقته و واقعه ، بل يلبيها كلها و هو في طريقه إلى المرتقى الصاعد . |
لقد عني الإسلام عناية بالغة بتقرير حقيقة وحدانية الله – سبحانه – وحدانية لا تتلبس بشبهة شرك أو مشابهة في صورة من الصور ..
و عني بتقرير أن الله – سبحانه – ليس كمثله شيء ، فلا يشترك معه شيء في ماهية و لا صفة و لا خاصية . كما عني بتقرير حقيقة الصلة بين الله – سبحانه – و كل شيء (بما في ذلك كل حي ) .. و هي أنها صلة ألوهية وعبودية ، ألوهية الله و عبودية كل شيء لله . و لقد عني الإسلام كذلك بأن يقرر أن هذه هي الحقيقة التي جاء بها الرسل أجمعون . فقررها في سيرة كل رسول ، و في دعوة كل رسول ، و جعلها محور الرسالة من عهد نوح عليه السلام إلى عهد محمد خاتم النبيين – صلى الله عليه و سلم - .. تتكرر الدعوة بها على لسان كل رسول . " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " |
إن الإسلام يأمر المسلم بالسماحة ، و بحسن معاملة الناس .. و لكنه ينهاه عن الولاء للكافرين .
لأن السماحة و حسن المعاملة مسألة خلق و سلوك ، و الولاء فمسألة عقيدة و مسألة تنظيم . إن الولاء هو النصرة ، هو التناصر بين فريق و فريق ، و لا تناصر بين المسلم و الكافر .. لأن التناصر في حياة المسلم هو تناصر في الدين ، و في الجهاد لإقامة منهج الله في الحياة .. ففيم يكون التناصر بين المسلم و غير المسلم . و كيف يكون ؟ إنها قضية جازمة حازمة لا تقبل التميع ، و لا يقبل الله فيها إلا الجد الصارم ، الجد الذي يليق بالمسلم في شأن الدين . |
لقد جاء الإسلام ليغير وجه العالم ، وليقيم عالما آخر ، يقر فيه سلطان الله وحده ، و يبطل سلطان الطواغيت .
عالما يعبد فيه الله وحده – بمعنى العبادة الشامل – و لا يعبد معه أحد من العبيد . عالما يخرج الله فيه – من شاء – من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . عالما يولد فيه الإنسان الحر الكريم النظيف المتحرر من شهواته و هواه ، تحرره من العبودية لغير الله . |
الساعة الآن 01:07 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.