النبي الكريم كان في خدمة أصحابه وكان مثلاً أعلى لهم :
كان قدوة في التواضع ، قال :
(( من حمل سلعته فقد برئ من الكبر ))
[القضاعي والديلمي عن أبي أمامة]
كان يجلس مع الضعيف والفقير ، يصغي إلى المرأة الضعيفة ، يكنس داره ، يخصف
نعله ، كان في خدمة أهله ، كان يقف لأي إنسان إذا سأله في الطريق ، جاءه عدي ابن حاتم
لا يدري أنبي هو أم ملك ؟ فلما انطلق به إلى البيت قال : استوقفته امرأة فوقف
معها طويلاً تكلمه في حاجتها ، فقلت : والله ما هذا بملك إنما هو نبي يقبل عذر
المعتذر ، إذا إنسان صافحه لا يسحب يده منه إلا أن يسحبها من صافحه ، كان يجلس
جلسة العبد يقول :
(( إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ))
[ابن ماجة عن أبي مسعود]
كان في خدمة أصحابه ، وكان قدوة في الحلم :
(( شَدّ أعربيٌّ بُردَه حتى أثّر في عاتقه ،
ثم أغلظ له القول بأن قال له : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ! فالتفت
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء . ))
[متفق عليه عن أنس رضي الله عنه]
كان قدوةً في العفو : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال :
اذهبوا فأنتم الطلقاء .
كان شجاعاً :
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ،
وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا . ))
[البخاري عن أنس رضي الله عنه]
سبقهم إلى استطلاع الخطر ، وكان إذا حمي الوطيس ما كان من أحد أقرب إلى العدو منه
من شدة شجاعته ، وكنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله وقال :
(( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ))
[ ابن حبان عن أبي إسحاق ]
أنا أسوق لكم هذه المثل كي تعلموا أن اتباع أصحابه له وأنهم أحبوه وفدوه
بأرواحهم لا لأنه ألقى عليهم مواعظ فقط بل لأنه كان معهم ، وكان مثلاً أعلى ، وكان قدوةً لهم ،
قال الله عز وجل :
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ (21)
( سورة الأحزاب : الآية 21)
النبي الكريم قدوة لنا في الثبات على المبدأ :
أنا لا أنسى هذا الموقف ، حينما جاءت غنائم كسرى يروى أن رجلين لو وقفا حول الغنائم
ورفع كل منهما رمحه لما رأى الأول الثاني لكثرتها ، كنوز كسرى كل ما في قصر كسرى
من ذهب ، ومن فضة ، ومن ألماس ، جيء به إلى المدينة أكوام ، سيدنا عمر نظر إلى
هؤلاء الذين جاءوا بهذه الغنائم شيء ثمين جداً فقال : سبحان الله إنهم أمناء . فأجابه
سيدنا علي : يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانتهم لقد عففت فعفوا ولو وقعت لوقعوا .
لا يوجد في هذا الدرس قضية خطيرة إلا القدوة ، كن قدوة لأولادك ، لاحظ أنهم يراقبونك ،
يرون حركاتك وسكناتك ونظراتك وكلامك فينبغي أن تكون قدوةً لأولادك .
الثبات على المبدأ ، كان قدوةً في الثبات على المبدأ ، واجه مصاعب كثيرة حتى أنهم
عرضوا عليه أن يزوجوه أجمل فتاة ، وأن يجعلوه أميراً عليهم ، وأن يعطوه
مالاً حتى يغدو أغناهم ، فقال :
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر
ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .))
[السيرة النبوية]
أيها الأخوة ، لما قال أحدهم وهو أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب
محمد محمداً ، يعني بالله عليكم إنسان على مشارف القتل ، أحد الصحابة بعد قليل سيُقتَل ،
سأله أبو سفيان قال له : أتحب أن يكون محمّد مكانك ؟ هذا الصحابي الجليل أظنه خبيباً قال :
لا والله ، والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ـ في أهلي مع زوجته وأولاده ـ وعندي
عافية الدنيا ونعيمها ـ البيت مكيف وفيه ورود وكل ما لذ وطاب في المطبخ يعني للتقريب
ـ ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة .
عندئذ قال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً .
نحن فقدنا الحب يا أخوان ، كل شيء يوجد عندنا لكن لا يوجد حب ، خصومات في الأسرة
بين أخوين ، بين جماعتين ، بين داعيتين ، بين عالمين ، شيء مؤلم جداً ، بأسنا بيننا ،
ممزقون ، لأن البغض له قانون قانونه قوله تعالى :
فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (14)
( سورة المائدة : الآية 14)
(( والذي نفس محمد بيده ما توادّ اثنان ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما . ))
[أحمد عن ابن عمر]
الرسول قدوة لنا ووجهنا إلى أن نكون قدوةً لأولادنا :
أيها الأخوة ، موضوع القدوة موضوعان ، الأول :
كان عليه الصلاة والسلام قدوة لنا ،
الثاني : وجهنا إلى أن نكون قدوةً لأولادنا ،
فالقسم الأول استغرقه هذا الدرس ،
القسم الثاني إن شاء الله في درس قادم ،
وبعدها ننتقل إلى التربية بالعادة ، والتربية بالتلقين ، والتربية بالعقاب ،
والتربية بالموعظة ، موضوعات كبيرة جداً لو تأملناها لكان منهجاً للآباء في تربية أولادهم
، لكن التربية في القدوة تقع على رأس القائمة لذلك بدأت بها يكفي أن تكون قدوةً وانتهى الأمر .
أنت لاحظ بيت تقام به الصلوات ، الأطفال الصغار يقلدون آباءهم دون أن يشعروا ،
دخل موجه تربوي إلى مدرسة ابتدائية ـ هذه طرفة ـ في منطقة حدودية فسأل طالباً :
أنت حينما تكبر يا بني ماذا تحب أن تكون ؟ الجواب التقليدي : طبيب ، ضابط ، طيار ، قال له
مهرب أستاذ .
هذه المشكلة ، هكذا يرى الطفل ، هذا عمل والده ، فلذلك أنت حينما تكون في مستوى
راقٍ جداً تجد أن الابن يطمح إلى أن يكون مثل أبيه ، فلا تطمح في نهاية المطاف
ولن تستطيع أن تنال ابناً صالحاً وأنت لست بصالح ، لا تطمح ولن تستطيع أن تنتظر
من ابنك أن يكون صادقاً وأنت لست صادقاً ، لا تطمح ولا تنتظر أن يكون ابنك عفيفاً
وأنت لست بعفيف ، فإذا كنت صادقاً في تربية أولادك ، حريصاً على تأدبهم بآداب الإسلام ،
حريصاً على أداء العبادات كن أنت قدوةً لهم وانتهى الأمر .
الدرس القادم إن شاء الله سوف يكون حول توجيهات النبي في القدوة أذكر توجيهاً واحداً كمثال :
كان في بيت أقربائه امرأة قالت لابنها : تعال خذ ، فقال : ماذا أردت أن تعطيه ؟ قالت :
تمرةً ، قال: أما إنك لو لم تفعلي لكتب عليك كذبة .
لا تنسوا عالم الحديث الذي انتقل من المدينة إلى البصرة ليأخذ حديثاً عن رجل سمعه
من رسول الله ، رآه يوهم فرسه أن في ثوبه طعاماً حتى أقبلت الفرس ، كذب على الفرس فعاد
إلى المدينة ولم يسأله سؤالاً واحداً ، الذي يكذب على فرسه ليس أميناً على حديث رسول الله .
جاء صحابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام مهاجراً ، وفرح به النبي ، قال :
يا رسول الله أمسَكوني في الطريق فقلت لهم : إن أطلقتموني والله لن أقاتلكم أبداً فأطلقوه
الصحابي نسي بعد سنوات في غزوة انخرط بها فقال له النبي :
ارجع ألم تعاهدهم . فالنبي قدوة في كل شيء .
والحمد لله رب العالمين