======== 44 ========
لقد جاء هذا القرآن لا ليقرر عقيدة فحسب ، و لا ليشرع شريعة فحسب .
و لكن كذلك ليربي أمة ، و ينشئ مجتمعا ، و ليكوّن الأفراد و ينشئهم على منهج عقلي و خلقي من صنعه ..
و هو يعلمهم أدب السؤال ، و حدود البحث ، و منهج المعرفة ..
و ما دام الله – سبحانه – هو الذي ينزل هذه الشريعة ، و يخبر بالغيب ، فمن الأدب أن يترك العبيد لحكمته تفصيل تلك الشريعة أو إجمالها ، وأن يتركوا له كذلك كشف هذا الغيب أو ستره .
و أن يقفوا هم في هذه الأمور عند الحدود التي أرادها الله العليم الخبير .
لا ليشددوا على أنفسهم بتنصيص النصوص و الجري وراء الاحتمالات و الفروض .
و الله أعلم بطاقة البشر و احتمالهم .
فهو يشرع لهم في حدود طاقتهم .
======== 45 ========
لقد كان القرآن المكي يفسر للإنسان سر وجوده و وجود هذا الكون ن حوله ..
كان يقول له :
من هو ؟ و من أين جاء ؟ و كيف جاء ؟ و لماذا جاء ؟ و إلى أين يذهب في نهاية المطاف ؟ ..
من ذا الذي جاء به من العدم و المجهول ..
و كان يقول له :
ما هذا الوجود الذي يحسه و يراه ، و الذي يحس أن وراءه غيبا يستشرفه و لا يراه ..
و كان يقول له أيضا :
كيف يتعامل مع خالق هذا الكون ، و مع الكون أيضا ، و كيف يتعامل العباد مع خالق العباد .
لقد كان يعالج القرآن القضية الأولى و القضية الكبرى و القضية الأساسية في هذا الدين الجديد " قضية العقيدة " ممثلة في قاعدتها الرئيسية : الألوهية و العبودية و ما بينهما من علاقة .
|