======== 86 ========
لقد كان القرآن يخوض المعركة بالجماعة المسلمة في ميادين كثيرة .
و كان أولها ميدان النفس ضد الهواجس و الوساوس و سوء التصور و رواسب الجاهلية ، و الضعف البشري – حتى و لو لم يكن صادرا عن نفاق أو انحراف – و كان يسوسها بمنهجه الرباني لتصل إلى مرتبة القوة ، ثم إلى مرتبة التناسق في الصف المسلم .
فكان يرسم للمسلمين – بصفة عامة – الخطة العامة للمعركة و هي ما يعرف باسم " إستراتيجية المعركة " ، و أيضا الخطة التنفيذية أو ما يسمى " التاكتيك " .
و هكذا نجد القرآن لا يعلم المسلمين العبادات و الشعائر فحسب و لا يعلمهم الآداب و الأخلاق فحسب – كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين – إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة ..
و يعرض لكل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية .
و لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم أقل من أن تكون حياته بجملتها من صنع هذا القرآن و تحت تصرفه و توجيهه .
لا يقبل منهم مناهج متعددة المصادر .
و إلا فلا إيمان أصلا و لا إسلام .
لأن الذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد في الإيمان ، و لم يعترفوا بعد بأركان الإسلام و في أولها " شهادة أن لا إله إلا الله " التي ينشأ منها أن لا حاكم إلا الله ، و أن لا مشرع إلا الله .
======== 87 ========
القرآن – كتاب الدعوة و دستور هذه الأمة – ينهض بكل الأمور المتعلقة بهذا الدين في صورة شاملة كاملة متوازنة دقيقة .
صورة تجعل من الحتم على كل من يريد إعادة بناء هذه الأمة وإحياءها و بعثها ، لتنهض من جديد بتبعاتها و دورها ، أن يتخذ من هذا القرآن منهجا لدعوته ، و منهجا لحركاته ..
و منهجا لكل خطوة في طريق الإحياء و البعث و إعادة البناء .
و القرآن حاضر لأداء دوره الذي أداه أول مرة .
و هو خطاب الله الباقي للنفس البشرية في كل أطوارها .
لا تنقضي عجائبه و لا يخلق على كثرة الرد .. كما يقول عنه أعرف الناس به – صلى الله عليه و سلم – الذي جاهد به الكفار و المنافقين و أهل الكتاب المنحرفين ..
و أقام به هذه الأمة المتفردة في تاريخ الناس أجمعين .
|