======== 27 ========
القرآن كان دائماً في المعركة .
سواء تلك المعركة الناشئة في القلوب بين تصورات الجاهلية و تصورات الإسلام ، و المعركة الناشئة في الجو الخارجي بين الجماعة المسلمة و أعدائها الذين يتربصون بها من كل جانب .
لقد نزّل الله القرآن لينشئ حياة كاملة ، و يحركها ، و يقودها إلى شاطئ الأمان بين الأشواك و العثرات ، و مشقات الطريق ، التي تتناثر فيها الشهوات كما تتناثر فيها العقبات . و الله المستعان .
======== 28 ========
لقد كان القرآن بصدد إنشاء تصور خاص ، و نظام خاص ، و مجتمع خاص ..
كان بصدد إنشاء أمة جديدة في الأرض ، ذات دور خاص في قيادة البشرية ، لتنشئ نموذجاً معيناً من المجتمعات غير مسبوق ، و لتعيش حياة نموذجية خاصة غير مسبوقة و لتقر قواعد هذه الحياة في الأرض و تقود إليها الناس .
إن مادة القرآن التي يعمل فيها هي الإنسان ذاته : تصوره و اعتقاده ، و مشاعره و مفهوماته ، و سلوكه و أعماله ، و روابطه و علاقاته ..
أما العلوم المادية و الإبداع في عالم المادة بشتى وسائله و صنوفه فهي موكولة إلى عقل الإنسان و تجاربه و كشوفه و فروضه و نظرياته .
بما أنها أساس خلافته في الأرض ، و بما أنه مهيأ لها بطبيعة تكوينه .
و القرآن يصحح له فطرته كي لا تنحرف و لا تفسد ..
و يصحح له النظام الذي يعيش فيه كي يسمح له باستخدام طاقته الموهوبة له ..
و يزوده بالتصور العام لطبيعة الكون و ارتباطه بخالقه ، و تناسق تكوينه ن و طبيعة العلاقة بين أجزائه – و هو أي الإنسان أحد أجزائه - .
ثم يدع له أن يعمل في إدراك الجزئيات و الانتفاع بها في خلافته ..
و لا يعطيه تفصيلات لأن معرفة هذه التفصيلات جزء من عمله الذاتي .
|