و بالوالدين إحسانا ...
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد - صلى الله عليه و سلم -
المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين . .=================================
======== {و بالوالدين إحسانا .. } الإسراء.
بهذه العبارة الندية ، و الصورة الموحية ، يستجيش القرآن الكريم وجدان البر و الرحمة في قلوب الأبناء .
ذلك أن الحياة و هي مندفعة في طريقها بالأحياء ، توجه اهتمامهم القوي إلى الأمام . إلى الذرية ، إلى الناشئة الجديدة ، إلى الجيل المقبل.
و قلما توجه اهتمامهم إلى الوراء . إلى الأبوة ، إلى الحياة المولية ، إلى الجيل الذاهب .
و من ثم تحتاج البنوة إلى اشتجاشة وجدانها بقوة لتنعطف إلى الخلف ، و تتلفت إلى الآباء و الأمهات .
إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد ، إلى التضحية بكل شيء حتى بالذات .
و كما تمتص النابتة الخضراء كل غداء في الحبة فإذا هي فتات و يمتص الفرخ كل غداء في البيضة فإذا هي قشر ، كذلك يمتص الأولاد كل رحيق و كل عافية و كل جهد و كل اهتمام من الوالدين فإذا هما شيخوخة فانية – إن أمهلهما الأجل – و هما مع ذلك سعيدان .
فأما الأولاد فسرعان ما ينسون هذا كله ، و يندفعون بدورهم إلى الأمام . إلى الزوجات و الذرية .
و هكذا تندفع الحياة .
و من ثم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء ، إنما يحتاج هؤلاء إلى استجاشة وجدانهم بقوة ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف .
و هما يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد ، بعد الأمر المؤكد بعبادة الله .
======== { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما .. }
و الكبر له جلاله ، و ضعف الكبر له إيحاؤه .
و كلمة " عندك " تصور معنى الالتجاء و الاحتماء في حالة الكبر و الضعف .
======== { فلا تقل لهما أف و لا تنهرها .. }
و هي أول مرتبة من مراتب الرعاية و الأدب ألا يند من الولد ما يدل على الضجر و الضيق ، و ما يشي بالإهانة و سوء الأدب .
======== { و قل لهما قولا كريما .. }
و هي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يشي بالإكرام و الاحترام .
======== { و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة .. }
و هنا يشف التعبير و يلطف ، و يبلغ شغاف القلب و حنايا الوجدان .
فهي الرحمة ترق و تلطف حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عينا ، و لا يرفض أمرا ، و كأنما للذل جناح يخفضه إيذانا بالسلام و الاستسلام .
======== { و قل ربي أرحمهما كما ربياني صغيرا }
فهي الذكرى الحانية .
ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الولدان ، و هما اليوم في مثلها من الضعف و الحاجة و الرعاية و الحنان .
و هو التوجه إلى الله أن يرحمهما . فرحمة الله أوسع ، و رعاية الله أشمل ، و جناب الله أرحب .
و هو أقدر على جزائهما بما بذل من دمهما و قلبهما مما لا يقدر على جزائه الأبناء .
|